السلام عليكم
2 مشترك
منتدى السعادة مع الله :: عامة :: المنتدى العام :: عام
صفحة 1 من اصل 1
السلام عليكم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
اطلب من كل الاخوان والاخوات بمساعتدي بانشاء بحث تحت عنوان
اختكم تديني عفة
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
اطلب من كل الاخوان والاخوات بمساعتدي بانشاء بحث تحت عنوان
تفسير الصحابةة
وجزيتم خير الجزاء ويضعه بالمنتدى وبارك الله فيكماختكم تديني عفة
تديني عفة- عضو مبتدأ
- الاوسمة
عدد المساهمات : 3
نقاط : 7
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 12/03/2011
رد: السلام عليكم
تفسير الصحابة
التفسير علمٌ عظيم الشأن، جليل القدر، لا يستطيعه إلا من فتح الله قلبه وأنار بصيرته، ورزقه العلم والفهم، والتفسير مأخوذٌ من الفَسْر وهو: الكشف والإظهار(1)، وفي الاصطلاح: علم يفهم به كتاب الله - تعالى -المنزّل على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحِكَمه(2).
ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أصحابه كان هو المرجع في تبيين الكتاب العزيز، فما أشكل عليهم أو احتاجوا لبيان وتفسير آيات من القرآن هرعوا إليه وسألوه؟ فبيّن وفسّر لهم ما سألوا عنه بكلام وتفسير شاف. وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - واتساع البلاد ودخول الناس في الإسلام، ودخول العُجمة، احتاج المسلمون لشرح ما لم يكن الصحابة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحاجة إلى شرحه من الكتاب والسنة، فتوجهوا إلى الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة لسؤالهم والاستيضاح منهم.
أهمية تفسير الصحابة:
تظهر لنا أهمية تفسير الصحابة للقرآن إذا علمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين لأصحابه معاني القرآن، كما بين لهم ألفاظه، ولا يحصل البيان والبلاغ المقصود إلا بذلك، قال - تعالى -: "لتبين للناس ما نزل إليهم" النحل: 44، وقال: "هذا بيان للناس" آل عمران: 138، وقال - تعالى -: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم" إبراهيم: 4، وقال - تعالى -: "فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون" الدخان: 58، وقال - تعالى -: "كتاب فصلت آياته" فصلت: 3، أي: بينت، وأزيل عنها الإجمال فلو كانت آياته مجملة، لم تكن قد فصلت، وقال - تعالى -: "وما على الرسول إلا البلاغ المبين" العنكبوت: 18.
وهذا يتضمن بلاغ المعنى، وأنه في أعلى درجات البيان وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي - أحد أكابر التابعين، الذين أخذوا القرآن ومعانيه، عن مثل: عبد الله بن مسعود، وعثمان ابن عفان، وتلك الطبقة: "حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، فتعلمنا القرآن والعمل(3).
فالصحابة أخذوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني من عنايتهم بالألفاظ، يأخذون المعاني أولاً، ثم يأخذون الألفاظ، ليضبطوا بها المعاني حتى لا تشذ عنهم(4).
وكذا إذا علمنا أن الصحابة قد سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث الكثيرة، ورأوا منه من الأحوال المشاهدة، وعلموا بلقوبهم من مقاصده، ودعوته، ما يوجب فهم ما أراد بكلامه، ما يتعذر على من بعدهم مساواتهم فيه، فليس من سمع وعلم ورأى حال المتكلم، كمن كان غائباً، لم ير، ولم يسمع، وعلم بواسطة، أو وسائط كثيرة.
وإذا كان للصحابة من ذلك ما ليس لمن بعدهم كان الرجوع إليهم في ذلك دون غيرهم متعيناً قطعاً.
ولهذا كان اعتقاد الفرقة الناجية هو: ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، كما شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، في قوله: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي"(5).
خصائص الصحابة:
اختص الصحابة عن غيرهم بأمور منها:
1- ظفرهم بشريف الصحبة، والخيرية المطلقة، وفي الحديث "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم"، وهذه خيرية مثمرة، وليست خيرية شرف فقط.
2- مباشرتهم للوقائع والنوازل، وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة فهم أقعد في فهم القرائن الحالية، وأعرف بأسباب التنزيل، ويدركون مالا يدركه غيرهم، بسبب ذلك، والشاهد يرى، مالا يرى الغائب(6).
3- عاصروا وشهدوا ما قبل الوحي، أي الجاهلية، والقرآن جاء ليهدم الجاهلية "إنما النسيء زيادة في الكفر" التوبة: 37.
4- مصاحبتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وملازمتهم له، والتتلمذ على يديه، والتعلم منه مباشرة، وسؤاله لكل ما يدور بينهم.
5- أنهم عرب خلص، وهي كافية عن غيرها، والقرآن نزل بلغتهم. حتى إن اليهود كانوا يجيدون العربية، ويقولون الشعر أيضاً.
وهناك صفات اشترك فيها الصحابة مع غيرهم، كالصدق في القول، والتثبت في نقل الأخبار، والحرص على نشر العلم، والخروج في سبيل الله. وهي تدخل في الخيرية.
موقع تفسير الصحابة:
تفسير الصحابة مقدم على تفسير غيرهم لما تقدم من الأمور الخمسة ويكفي أحدها. ولاشك أننا إذا لم نجد تفسيراً في الكتاب والسنة نتجه لتفسير الصحابة.
- ولابد من إخراج ما كان خارج دائرة الاجتهاد، فنخرج:
1- ما كان في حكم المرفوع.
2- أسباب النزول.
وهو مما لا مجال للاجتهاد فيه.
ويلحظ أن تفسير الصحابة أصابه ما أصاب غيره من التفسير المرفوع، وذلك من الوضع في الحديث وخلافه.
أسباب قلة اختلاف الصحابة في التفسير:
وقع بين الصحابة بعض الاختلافات في التفسير، وهو قليل جداً، وأسباب قلة الاختلاف بين الصحابة في التفسير ما يلي:
1- وجود الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فقد كانوا يرجعون إليه عند اختلافهم، فيزيل ما لديهم من تساؤل ونحوه.
2- وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينهاهم عن الخلاف في القرآن.
3- سعة علم الصحابة في العلم الشرعي، ومعرفتهم باللغة وأساليبها، ومعانيها(7).
4- تأثير العصر عليهم، قال شيخ الإسلام: "كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلاً جداً وهو وإن كان في التابعين أكثر منه في الصحابة، فهو قليل بالنسبة إلى من بعدهم، وكلما كان العصر أشرف كان الاجتماع والائتلاف، والعلم، والبيان فيه أكثر"(.
ومع قلة الاختلاف بين الصحابة في تفسير القرآن فإن أغلبه يرجع إلى اختلاف التنوع، لا إلى اختلاف التضاد، وهو أيسر أنواع الاختلاف.
أنواع اختلاف التنوع:
يرجع اختلاف السلف في التفسير إلى أنواع معدودة، منها:
أولاً: أن يعبر كل واحد من المفسرين عن المعنى المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر، مع اتحاد المسمى، ومثال ذلك في التفسير: "الصراط المستقيم" قيل: العبودية. وقيل: الطاعة.
فهذه الأقوال كلها تدل على ذات واحدة، لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها(9).
الثاني: أن يذكر كل مفسر من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود، في عمومه وخصوصه.
ومثال ذلك: ما نقل في قوله: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات" فاطر: 32.
فمن المفسرين من قال: السابق: الذي يصلي في أول الوقت. والمقتصد: الذي يصلي في أثنائه.
والظالم لنفسه: الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار.
- ومنهم من قال:
السابق والمقتصد والظالم، قد ذكرهم في آخر سورة البقرة فإنه ذكر المحسن بالصدقة، والظالم بأكل الربا، والعادل بالبيع.
- ومنهم من قال: السابق، المحسن بأداء المستحبات مع الواجبات، والظالم آكل الربا، أو مانع الزكاة، والمقتصد: الذي يؤدي الزكاة المفروضة، ولا يأكل الربا، وأمثال هذه الأقاويل(10).
فكل قول من هذه الأقوال، إنما يذكر نوعاً مما يتناوله نص الآية لتعريف المستمع، وتنبيهه على نظائره، ولا يضاد ما ذكره غيره.
الثالث: ما يكون في اللفظ محتملاً للأمرين.
ومثاله: لفظ: "قسورة" فإنه يراد بها: الرامي، ويراد بها: الأسد.
ولفظ: "عسعس" يراد به: إقبال الليل وإدباره.
ولفظ: "القرء" يراد به الحيض والطهر(11).
الرابع: أن يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة.
ومثاله: أن يفسر أحدهم قوله - تعالى -: أن تبسل تحبس. ويقول الآخر: ترتهن، ونحو ذلك(12).
قال الزركشي:
يكثر في معنى الآية أقوالهم، واختلافهم، ويحكيه المصنفون للتفسير بعبارات متباينة الألفاظ، ويظن من لا فهم عنده أن في ذلك اختلاف، فيحكيه أقوالاً، وليس كذلك، بل يكون كل واحد منهم ذكر معنى ظهر من الآية، وإنما اقتصر عليه لأنه أظهر عند ذلك القائل، أو لكونه أليق بحال السائل، وقد يكون بعضهم يخبر عن الشيء بلازمه، ونظيره والآخر: بمقصوده وثمرته، والكل يؤول إلى معنى واحد غالباً، والمراد الجميع، وليتفطن لذلك، ولا يفهم من اختلاف العبارات اختلاف المرادات(13).
مميزات تفسيرهم:
1- يلاحظ في تفسيرهم أنه موجز، وأكثره يعتمد على اللغة.
2- لا يتكلفون التفسير، ولا يتعمقون فيه تعمقاً مذموماً، فقد كانوا يكتفون في بعض الآيات بالمعنى العام، ولا يلتزمون بالتفصيل فيما لا فائدة فيه، فيكتفون مثلاً بمعرفة أن المراد بقوله - تعالى -: وفاكهة وأبا 31 - صلى الله عليه وسلم -عبس: 31 أنه: تعداد لنعم الله - تعالى -على عباده(14).
3- قلة الأخذ بالإسرائيليات، وتناولها في التفسير، لحرصه - صلى الله عليه وسلم - على اقتصار أصحابه على نبع الإسلام الصافي الذي لم تكدره الأهواء، ولم تشُبه الاختلافات، والافتراءات يدل على هذا المقصد: "غضبه - صلى الله عليه وسلم - حين رأى عمر - رضي الله عنه -، وفي يده صحيفة من التوراة"(15).
4- لم يكن تفسيرهم يشمل القرآن كله، إذ أن بعض الآيات من الوضوح لديهم، بحيث لا يحتاج إلى خوض في تفسيرها، لتضلعهم في اللغة، ومعرفتهم بأحوال المجتمع آنذاك وغير ذلك(16).
5- قلة تدوينهم للتفسير، وأن أغلب ما روي عنهم كان بالرواية، والتلقين، وليس بالتدوين، وإن كان بعض الصحابة يعتني بالتدوين، مثل: عبد الله بن عمرو ابن العاص فقد دوّن صحيفته التي تسمى "الصادقة" ولكن هذا التدوين كان نادراً(17).
6- التوفيق للصواب، لما خصهم الله - تعالى -بعدة خصائص من توقد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحسن الإدراك وسرعته، وقلة المعارض أو عدمه، وحسن القصد، وتقوى الرب، وكثرة المعاون وقلة الصارف، وقرب العهد بنور النبوة والتلقي من تلك المشكاة النبوية(18).
7- قلة الإجماع، بمعنى: أن كل صحابي إذا سئل يجيب بما يفهمه، ولولا الفهم لما تميز من الصحابة مفسرون.
8- خلو تفسير الصحابة من الشوائب العقدية، وهذا ما حصل فيه الإجماع، وكذلك كان عند التابعين.
حجية أقوال الصحابة في التفسير:
أولاً: تحرير محل النزاع:
قال الشاطبي: أما بيان الصحابة، فإن أجمعوا على ما بينوه فلا إشكال في صحته، كما أجمعوا على الغسل من التقاء الختانين، المبين لقوله - تعالى -: "وإن كنتم جنبا فاطهروا" المائدة: 6(19).
وكذا إن كان ما يفسره الصحابي مما لا مجال فيه للاجتهاد ولا منقولاً عن لسان العرب فحكمه الرفع، كالإخبار عن الأمور الماضية، من بدء الخلق، وقصص الأنبياء، وعن الأمور الآتية: كالملاحم، والفتن، والبعث، وصفة الجنة والنار، والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص، أو عقاب مخصوص فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع(20).
وكذا إن كان ما فسره الصحابي في تفسير يتعلق بسبب نزول آية محكمة الرفع أيضاً(21).
ثانياً: الخلاف في المسألة:
المذهب الأول: ذهب بعض أهل العلم إلى: أن تفسيرهم في حكم المرفوع.
قال أبو عبدالله الحاكم في مستدركه: وتفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع.
ومراده: أنه في حكمه في الاستدلال به والاحتجاج(22).
- قال الحافظ ابن حجر: أطلق الحاكم النقل عن البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - الذي شهد الوحي، والتنزيل، حديث مسند(23).
- وقال ابن القيم: نص الإمام أحمد على أنه يرجع إلى الواحد من الصحابة في تفسير القرآن، إذا لم يخالفه غيره منهم.
ثم من أصحابه من يقول هذا قول واحد، وإن كان في الرجوع في الفتيا، والأحكام، إليه، روايتان، ومنهم من يقول الخلاف في الموضعين واحد(24).
- وقال الإمام أحمد، في معرض رسالته إلى أبي عبد الرحيم الجوزجاني، في مسألة الإيمان: وأن تأويل من تأول القرآن بلا سنة، تدل على معناها، أو معنى ما أراد الله - عز وجل -، أو أثر عن أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويعرف ذلك: بما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن أصحابه، فهم شاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشهدوا تنزيله، وما قصه له القرآن، وما عني به، وما أراد به، وخاص هو أو عام، فأما من تأوله على ظاهره بلا دلالة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد من أصحابه، فهذا تأويل أهل البدع...(25).
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا لم نجد التفسير في القرآن، ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوه من القرآن، والأحوال، التي اختصوا بها... لاسيما علماؤهم، وكبراؤهم كالأئمة الأربعة، والأئمة المهديين، مثل: عبدالله بن مسعود... (26).
-وقال كذلك في موطن آخر: وقد تبين بذلك أن من فسر القرآن والحديث، وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة، والتابعين، فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه(27).
- وقال أيضاً في موضع آخر: ولهذا جعل (أي الإمام أحمد) الاحتجاج بالظواهر مع الإعراض عن تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه طريق أهل البدع(28).
وقد رجح هذا المذهب الدكتور: محمد حسين الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون(29).
المذهب الثاني: قال أبو عمرو الداني: إذا فسر (الصحابي) آية تتعلق بحكم شرعي، فيحتمل أن يكون ذلك مستفاداً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن القواعد، فلا يجزم برفعه، وكذا إذا فسر مفرداً، فهذا نقل عن اللسان خاصة، فلا يجزم برفعه، وهذا التحرير الذي حررناه هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة، كصاحبي الصحيح، والإمام الشافعي، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي بكر بن مردويه في تفسيره المسند والبيهقي، وابن عبدالبر في آخرين(30).
________________________
*الهوامش:
1- تهذيب اللغة للأزهري (407/12).
2- البرهان للزركشي (13/1) والإتقان للسيوطي (174/2).
3- أخرجه ابن أبي شيبة (29920) وأحمد (410/5) والفريابي في فضائل القرآن (169) بإسناد صحيح.
4- مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (510-511) بتصرف، ط دار الحديث، ت سيد إبراهيم.
5- المصدر السابق ص: (516).
6- الموافقات للشاطبي (251/3) ت عبدالله دراز.
7- بحوث في أصول التفسير ومناهجه د. فهد الرومي (41).
8- مجموع الفتاوى (332/13).
9- المصدر السابق (336/13).
10 المصدر السابق (337/13).
11- المصدر السابق (340/13).
12- المصدر السابق (343/13).
13- البرهان للزركشي (159/2-160).
14- بحوث في أصول التفسير للرومي (21).
15- المصدر السابق (21)، والحديث أخرجه أحمد في المسند (387/3).
16- المصدر السابق (21).
17- المصدر السابق (21-22).
18- إعلام الموقعين لابن القيم (149/4-150).
19- الموافقات (251/3).
20- النكت على كتاب ابن الصلاح، لابن حجر (531/2) ط دار الراية.
21- تدريب الراوي للسيوطي (215/1) ط مكتبة الكوثر.
22- إعلام الموقعين (153/4).
23- النكت على كتاب ابن الصلاح (531/2).
24- مختصر الصواعق (516).
25- السنة للخلال (23/4) ت عطية الزهراني، ط دار الراية.
26- مجموع الفتاوى (364/13).
27- رسالة في علم الباطن والظاهر لابن تيمية، (مجموعة الرسائل المنيريه) (236/1).
28- الإيمان لابن تيمية (375) ت الألباني. ط المكتب الإسلامي.
29- التفسير والمفسرون (96/1).
30- النكت لابن حجر (532/2).
وهناك الكتاب:تفسيرالصحابة
باسم الكاتب : عبد الله ابو السعود بدر
كويس ايضا
حب الدعوة لله- عضو متالق
- الاوسمة
عدد المساهمات : 94
نقاط : 184
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 05/01/2011
السلام عليكم
جزاكم الله خير الجزاء جميعا
تديني عفة- عضو مبتدأ
- الاوسمة
عدد المساهمات : 3
نقاط : 7
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 12/03/2011
رد: السلام عليكم
وهذا بحث ...عن أسانيد... التفسير (1-4) الشيخ/ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي..
بحث قرآني الحمد لله رب العالمين حمدَ الشاكرين، نحمدُه على عظيمِ نعمائِه، وجميلِ بلائهِ، ونرغبُ إليه في التوفيقِ والعصمةِ، ونبرأُ إليه من الحَولِ والقوة، ونسأله يقيناً يملأُ الصدرَ ويعمرُ القلبَ ويستولي على النَّفس، والصلاة على خيرِ خلقهِ والمصطفى من بريَّته محمدٍ سيد المرسلينَ وعلى أصحابهِ وآلهِ الأخيارِ وسلم، وبعد: فالتفسير والبيان رسالة خير الخلق، قال تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} النحل 44، وهو خير ما يُتعلَّم ويُعلم، وقد أنزل الله كتابه بيناً واضحاً لأهل اللسان العربي، فقال: {بلسان عربي مبين} الشعراء 195 والتفسير مردُّه إلى لغة العرب، فيها بيانُه، وجلاؤه. واللسان العربي يتفاوت مِن جيل إلى جيل، وما كُل من تكلم العربية استطاع معرفةَ مقاصد الكتاب، ما لم يقرِن ذلك بفهم الصدر الأول وخير القرون . روى الخطيب البغدادي في "جامع بيان العلم" عن إبراهيم التيمي قال: خلا عمرُ بن الخطاب ذات يوم، فجعل يحدِّث نفسه، فأرسل إلى ابن عباس، قال: كيف تختلف هذه الأمة وكتابها واحد، ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟ قال ابن عباس: يا أميرَ المؤمنين، إنما أُنزل علينا القرآنُ فقرأناه، وعلِمنا فيم نزل، وإنه يكون بعدَنا أقوامٌ يقرؤون القرآن ولا يعرفون فيم نزل، فيكون لكلّ قومٍ فيه رأي، فإذا كان لكل قوم فيه رأي اختلفوا فإذا اختلفوا اقتتلوا. فزَبَرَه عمر وانتهره، فانصرف ابن عباس، ثم دعاه بعدُ، فعرف الذي قال، ثم قال: إيهٍ، أعِدْ عليّ. أنواع التفسير: روى ابن جرير في "تفسيره" عن ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب مِن كلامها، وتفسير لا يعذر أحدٌ بجهالتِه، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله . فجعل ابن عباس أنواع التفسير أربعة: الأول وهو الأصل: ما يعرفه أصحاب اللسان العربي الصحيح؛ لأن القرآن بلسانهم نزل، فيُلتمس تفسير القرآن في الشعر العربي الجاهلي، وما بعدَه بقليل قبل دخول العُجْمَة، ويأتي مزيد كلام على هذا النوع الثاني: ما لا يُعذر أحد بجهله مِن أهل العربية، لظهوره ووضوحه عند أهل السَّليقة، وهذا أصلُ النوع الأول، وذاك فرعٌ منه . الثالث: ما يعلمه العلماء العارفون بالوحي، وكلّما كان العالم بصيراً بالسُّنة ووجوه اللغة، وأسباب النزول، وعمل الصحابة، كان للتفسير أبصرَ، وما لا يعرفه بعد ذلك فهو المتشابه . ويتفاوت العلماء في ذلك؛ فقد يكون الموضع متشابهاً عند عالِمٍ، محكماً بيناً واضحاً عند غيره، ومَن عرف السنة والعربية وعمل السلف وقرائن الحال عند نزول الآي قل المتشابه عنده، وظهر المحكم . الرابع: ما لا يعلمه إلا الله، ونصَّ بعض العلماء أن ثمَّة شيئاً مِن التفسير ما يحرُم الخوض فيه، وهو ما لا يعلمه إلا الله . ومِن أحسن ما يمثَّل لذلك هو الحروفُ المقطَّعة في أوائل السور، ولم يثبُت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم شيء يعتمد عليه، وقد جاء في ذلك جملةٌ مِن المرويّات عن الصحابة، وجُلُّها ضعيف أو منكر. التفسير وأسانيده من المهمات التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها، ويتبصر فيها، ويعرف الصحيح منها والضعيف، ويجهل كثير من طلبة العلم هذا العلم، ولا يعتنون به . التفسيرالمرفوع قليل: ومسالك العلماء في قبول الأسانيد- في هذا الباب- أو رَدِّهَا، تختلف عن غيرها، وإن كان بالجملة التفسير هو مما يقِلُّ فيه المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول السيوطي - رحمه الله - في أوائل كتابه" الإتقان": " والمرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التفسير هو فِي غاية القلة" . وساقها في أواخر كتابه" الإتقان " مما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحيح والضعيف . وإذا كان عبد الله بن عباس، وهو من اشتهر بمعرفة التأويل والتفسير والإكثار فيه، يقول فيه الإمام الشافعي كما ذكر البيهقي في " مناقب الشافعي " في (بابٌ ما يدل على معرفته بصحيح الحديث): "ليس شيء يصح عن عبد الله بن عباس في التفسير إلا شبيه مائة حديث". فإذا كان هذا الحال فيما يروى عن عبد الله بن عباس في الموقوف فالمرويُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلّ. وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن تفسير كلام الله ما هو صحيحٌ بأسانيدَ كالشمس، ومنها جاء جملة منها في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما . ومن ذلك: تفسير الظلم بالشرك، وكذلك تفسير الحساب بسؤال الله ومناقشته للعبد يوم القيامة، كما جاء في حديث عائشة في الصحيح وغيره، وغير ذلك مِن التأويل . وما جاء شيء من التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حُجَّة قاطعة، وهو مِن الوحي، وهو أولى ما يُؤْخَذ ويُعمل به، وهو مقدَّم على قول كل أحدٍ؛ لأن الله ما جعل الحُجة في قول أحدٍ إلا في قول نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم 3 : 4معنى قول أحمد لا أصل لها... ومِن أقل المروياتُ في الأبواب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرويات في باب التفسير، وأكثرها معلولٌ، يقول الإمام أحمد -رحمه الله- :" ثلاثةٌ ليس لهَا إِسْنِاد: التفسير والملاحم والمغازي " . وقد جاء في رواية عنه: " ثلاثةٌ لا أصل لها ". ومرادُه بذلك: أن الضعيف أكثرُ مِن الصحيح، والصحيحُ عنه مقارنة بما جاء في هذا الباب من المرفوع والموقوف لا يكاد يُذكر، وإنما هو عشرات المواضع فقط . وهكذا فسره المحققون من أصحاب أحمد، كما حكاه الزركشي في "البرهان" بقوله: ( قال المحققون من أصحابه: مُراده: أن الغالبَ أنه ليس لها أسانيدُ صِحاحٌ متصلةٌ، وإلا فقد صحّ من ذلك كثيرٌ؛ كتفسير الظلم بالشرك في آية الأنعام، والحساب اليسير بالعرض، والقوة بالرمي، وغيره ) وكثير من المرفوع هو في عِدَاد الضعيف، والمنكر، والموضوع، ولذلك قال: "ثلاثة ليس لها إسناد، أو لا أصل لها، " يعني: " ليس لها إسناد يُعتمد عليه، وإن وُجِدَ فوجودُه كعدمه"، بخلاف ما يفهمُه بعضُهم من ظاهر لفظه بأنها تُروى بغير إسناد، وهذا غير صحيح؛ فإن الإمام أحمد قد أخرج جملة مِن الأحاديث في "مسنده". وقال في موضع آخر من "سؤالاته" وغيرها: "إنها ليس لها إسناد أو ليس لها أصل"، وهو أعلمُ الناس بما يروي، والأمثلة على ذلك كثيرة .. من ذلك: ما رواه في "مسنده" مِن حديث ابن عمر مرفوعاً: "مَنِ اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفيه درهمٌ حرامٌ لم تُقْبل له صلاةٌ ما دام عليه"، قال فيه في رواية أبي طالب: هذا ليس بشيءٍ ليس له إسناد. ومنها: ما رواه عن أبي مِجْلَزٍ عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر، فرأى أصحابُه أنه قرأ ( تنزيل ) السجدة"، وقد قال أحمد: (ليس له إسناد) . ومنها حديث "كنّا نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت وصَنْعَةَ الطعام مِن النياحة". رواه في مسنده، ونقل عنه أبو داود في "سؤالاته" قوله فيه: (لا أصل له) . وغير ذلك كثير.. تساهل السلف في التفسير: ولما كان الرواة الثقات يعتنون بأمور الديانة، ومسائل الأحكام الظاهرة التي يُخَاطب بها الناس في حياتهم، وحرصوا عليها، ونقلوها، وشدَّدوا بالنقل، تساهلوا- لما كان العمر يضيق بالكل – بغيرها، فاعتَنوا بالأهم. ولَمَّا حُفظت الشريعة وبُدئ بتدوينها، ظهرت العناية بعلوم التفسير والسِّير والتاريخ والفتن والمغازي وغيرها، وهي في التابعين أظهرُ من الصحابة وفي أتباع التابعين أظهرُ من التابعين وفي أتباع أتباع التابعين أظهرُ من أتباع التابعين وهكذا، حتى توسَّعت العلوم . وفي الغالب فالمبرزون في التفسير والسير والمغازي لا يصِلون لمتوسطي الثقات من رواة أحاديث الأحكام، ولهذا كثُر في أسانيد التفسير الضعيفُ والواهي والمنكَرُ والموضوع، فلم يحملْه الكبار ولم يعتنوا به؛ كشعبةَ وسفيانَ ومالكٍ وابن مهدي، وغيرهم من الأئمة الحفَّاظ الكبار الأثبات، وإن كانوا قد روَوْا جملةً مِن ذلك . والأئمة يتساهلون في التفسير، ولا يتساهلون في أمور الأحكام . يقول عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: "إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال، تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام، تشدَّدنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال ". ويقول يحيى بن سعيد: " تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثِّقونهم في الحديث - ثم ذكر ليثَ بن أبي سُلَيْم وجُوَيْبِرَ بن سعيدٍ والضَّحَّاك، ومحمد بن السائب. وقال: - هؤلاء لا يُحْمَدُ أمرُهم، ويكتب التفسيرُ عنهم". رواه الخطيب عنه في "الجامع". والكتابة عنهم في التفسير تُحتمل؛ لأنهم قد اعتَنوا بذلك، فصاروا مِن أئمة التفسير، وكذلك مِن أئمة اللغة. ويُحَّدث عن هؤلاء الضعفاء، وإن كان بعضهم لا يُعْتَمدُ عليه. سبب عدم عناية الأوائل بالتفسير: وسبب عدم عناية الحفاظ الأوائل بالتفسير يرجع إلى أمور: أولاً: الانشغال بالأحكام والمسائل والأصول وفروع الأحكام التعبُّديِّة كما تقدم بيانه . ثانياً: وهو الأهم، ومبيِّن للسبب الأول: أن القرآن نزل بلسانٍ عربي مبين، يفهمه عامَّة الناس في الصدر الأول، وتفسير ألفاظه وبيانه مِن فضول العلم عند كثيرٍ منهم، بل إن فهم الأعرابي منهم لألفاظه ومقاصده يفوق فهم كثيرٍ مِن كبار المفسرين مِن المتأخِّرين، وما نزل القرآن إلا ليفهمه الناس بلا تكلُّفٍ وبيانٍ، وهذا مقتضى التكليف بمجرد السماع وبلوغ الحُجَجِ للأسماع، كما قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} التوبة 6، لأن الأصل أن القرآن مفهوم بمجرد سماعه عند جمهور الخلْق، ولكن لمَّا توسَّعت بلدان المسلمين، وكثُرت الفتوحات، واختلط العرب بالعجم، دخلت العُجْمة على اللسان العربي، فاحتاج للتفسير، وهذا سبب قلَّة التفسير المرفوع؛ لأنه لا حاجةَ إليه عندهم، فلو فسَّروا القرآن لفسَّروه بما يرادِفه فهماً، واستوى المفسَّر والمفسَّر به من جميع الوجوه أو أكثرها، ولأصبَحَ التفسير حَشْواً، يزهد الناس في النظر فيه، مع استحالة حصول ذلك منهم؛ فالعرب تكره الحَشْوَ والتِّكرار وتُنَزِه نفسَها عنه، والنفوس تأبى أن تفسَّر لها الواضحاتُ، ولذلك كلِّه يعرفُ قلَّة التفسير للقرآن عندهم، بل إذا كان العربي يُنَزِه نفسَه والمخاطَبَ عن سماع المترادفات في كلامهم، فذلك في كلام الله أولى؛ لأن جُلَّ كلامه واضحٌ بيِّنٌ لا يُحتاجُ معه إِلى قَلبٍ ولا تَعَسُّفٍ. مع أنهم عربٌ يُعربون الكلام سليقةً، ولا يحتاجون إلى قواعدَ وضوابطَ نحويَّةٍ، بل لا يعرفونها، لذا يقول الشاعر: ولَستُ بِنَحْويٍّ يَلُوكُ لِسَانَهُ ** ولكن سَلِيْقيٌّ أَقولُ فأُعْرِب قال الشافعي: كان مالكُ بن أنسٍ يقرأ بالسَّليقية لهذا امتاز لسان البصريين عن لسان الكوفيين؛ لأنهم أخذوه من منبعِه الأصلي، وهو لسان الأعراب الأقحاح، يقول الرِّياشي أبو الفضل البصري، وهو يلمز الكوفيين: إنما أخذنا اللغة من حَرَشَةَ الضِّباب وأكَلَة اليرابيع، وهؤلاء أخذوا اللغة من أهل السواد أكَلَة الكواميخ والشَّواريز. ويقول أبو محمد اليزيدي البصري: كنَّا نَقِيسُ النحوَ فيما مَضى * * على لسانِ العَرَبِ الأوَّلِ فجاءَ أقـوامٌ يقيسـُونَهُ * * على لُغَى أشياخ قُطْرُبُلِ الاحتراز في تأويل القرآن: ثم إنه يجب الاحترازُ في تأويل القرآن ما لا يجب في غيره؛ لأن تأويل كلام المتكلم مما يُنسب إليه معنىً، وإن لم ينسب إليه لفظاً، ولهذا جوّز جماعةٌ من المحدِّثين روايةَ الحديث بالمعنى بشروطه. والعرب وغيرُهم قديماً وحديثاً يعتنون بنقل نصوص العظماء والملوك كما قالوها مِن غير زيادة أو تأويلٍ لمن يفهمُها، كما أنهم يحترزون عند الحديث معهم؛ لأن التَّبعَة في ذلك أكبرُ من غيرهم، وهذا في حقِّ الله وكلامه أعظم وأجلُّ. ميل العرب إلى الاختصار: وكذلك الأولى في كلِّ معنى أن يُبَلَّغ بأقصرِ عبارة، ولهذا كان كلام السلف فيه من الاختصار مَعَ كمال المعنى ما ليس في كلام المتأخرين مَعَ كثرة عباراتِهِم. وهذا كما أنه في الألفاظ، كذلك في المعاني؛ فالقرآن لا يذكُر فيه مخاطبة كلِّ مُبْطِل بكل طريق وكل حجة، ولا ذكر كل الشُّبهات الواردة على الأذهان وجوابَها، فإن هذا لا حدَّ له ولا نهايةَ، بل ولا يَنضبط بضابطٍ، وإنما يذكر الحق والأدلة الموصلة إليه لذوي الفِطَرِ السليمة؛ لأن هذا هو الأصلُ في الخلق، ثم إذا اتفق مُعَاندٌ ومكابرٌ أو جاهل، كان مَنْ يخاطبه مخاطباً ومحاججاً له بحسب ما تقتضيه المصلحة، وقد يكون مقامهُ كمقام المترجِم لمعاني القرآن. وما يُعرف بالمشاهدة، أو ما يُسلَّم دخوله تحت لفظ عام يشمل جملة من الأفراد؛ كالكواكب مثلاً معروفة بالمشاهدة ويدخل تحتَها ما لا يحصى من الأفراد، بيانُه حَشْوٌ، فببيان أن الشمس موجودةٌ والقمر موجود والكواكب موجودة، والإنسان يعلم هذا بالمشاهدة، هذا مما يُسْتقبَح ذكره، ويستثقلُهُ جمهورُ العقلاء، فضلاً عن البُلغاء؛ لأن هذا عندهم معلومٌ مستقرٌّ في عقولهم، لا يحتاجون فيه إلى خطابٍ وتفسيرِ عالمٍ من العلماء فضلاً عن كتاب مُنَزلٍ من السماء. الأصل في القرآن أنه واضح عند السلف لا يحتاج إلى تفسير وكثيرٌ من تفاسير المتأخرين التي يحفَلُ بها الخاصة، لو عُرِضتْ على العرب عند نزول القرآن لزَهدوا فيه، فكثيرٌ مما فيها يعدُّونه لُكْنةًَ وعَيَّاً لا يحتاج إليه، ويروْنه من باب إيضاح الواضحات. وإذا قُدر أن بعض الناس فيهم احتاج إلى بيان وتوضيح ما عُرض عليه من القرآن، كان هذا من الأعراض النادرة التي لا تعرِض لجمهورهم، ولعُدَّ هذا مِن العَيِّ والقصور، وما تزال مثل هذه الأعراض تزداد حتى غلبت في الناس، فاستثقلوا القرآن بلا تفسيرٍ لألفاظه، كما استثقله الأوائل بالتفسير. والتفسير ليس مقصوداً لذاته.. وأساليب القرآن معلومةٌ لدى العرب الفصحاء غير خافيةٍ، وإن كان قد يخفى على بعضهم شيء منها؛ وذلك لغرابتها على مسمعه، وعدم اعتياده عليها في لغة قومه، ومن حولهم، كما خفي على ابن عباس بعض معاني مفرداته؛ كلفظ "فاطر"؛ فقد روى الطبري في "تفسيره"، وأبو عبيد عن مجاهد، قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما (فاطر السموات والأرض)؛ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: لصاحبه: أنا فطرتها ؛ يقول: أنا ابتدأتها. ومثل ذلك أيضاً: ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جُبير أنه سئل عن قوله: (وحنانا من لدنا) فقال: سألت عنها ابن عباس فلم يُجِب فيها شيئا.ً وأخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: لا والله ما أدري ما (وحنانا).ً وهذا نادر فيهم، وإن جَهِلَه فردٌ منهم عَلِمَه جمهورهم. بلاغة السلف سليقة: ً وأساليب القرآن لما كانت على طريقتهم في كلامهم في يومهم وليلتهم، لم يَخْفَ عليهم المراد بها، فيعلمون من قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْت الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} الدخان 49 أنّ هذا الخطابَ خطابُ امتهان وتهكَّم، وإن كانت ألفاظُه مما يُستعمل في المدح، عرفوا ذلك من السياق لا من اختصاص اللفظ. ونظير هذه الآية وصف شعيب عليه الصلاة والسلام بالحلم والرشد من قومه المعاندين: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} هود: 87 قد يتبادر إلى ذهن القارىء أن المراد بذلك: إنك حليم رشيد؛ والصواب لست بحليم ولا برشيد. قاله ابن عباس وغيره. وهذا ونظائره لم يكن منهم بجُهدٍ ولا تكلُّفٍ؛ فهي لغتُهم التي يتحدثون بها، ولأنها كذلك لم ينصُّوا في كلِّ موضع على المقصود منه في القرآن، ولو قيل لأعجمي يعرف معاني الألفاظ: فسر الآية، لفسَّرها على غير وجهها؛ لأن الأمر مُتعلِّق بالسياق لا بذاتِ اللفظ. ولما تقادم العهد، ودخلت العُجْمَة على العرب بالاختلاط بالعجم، ظهر لهذه الأساليب الفنُّ المدوَّنُ بعدُ باسم (علم البلاغة) لمعرفة طرائق العرب وتفنُّنها في أساليب خطابها، فوضعوا المصطلحات والقواعد لتقريب هذا العلم، لا لإتقانه؛ إذ لا يتقنُه إلا من تحدث بلغتهم وحَفِظ أشعارهم ومنثورهم، وهذا يعز وجوده في المتأخرين. نشأة علم البلاغة: وعُرفت البلاغة في عصر متأخري التابعين، ثم اشتهرت بعد ذلك، وحُكي الإجماع على أن البلاغة ما نشأت إلا تحت تفسير القرآن، وقد اعتنى بها كثير مِن الأئمة باستخراج البديع والإعجاز من كلام الله. وصنف معمر بن المثنى كتابه فيها، وقيل: إنه قد أخذ من نافع بن الأزرق عن عبد الله بن عباس. ويحتمل أنه أخذه من غيره؛ وهو إمامٌ في لغة العرب، ونافع عرض ألفاظاً من غريب القرآن أشكلت عليه على عبدالله بن عباس؛ إذ جاءه بمكة يسأله عنها، واشترط على ابن عباس؛ أن يأتيه على كل مسألة وتفسير بشواهد من أشعار العرب، وذلك حينما خرج ونَجْدَة بنُ عويمر وآخرون من الخوارج إلى مكه فلقوا ابن عباس، فسأله نافع عن مسائل من القرآن. ومسائل ابن الأزرق أخرجها أبو بكر بن الأنباري في (الوقف والابتداء)، وهي منثورةٌ في عدة من كتب التفسير، رواها محمد بن زياد اليشكُري عن ميمون بن مهران، واليشكري هذا كذاب، وروى جملة منها الطبراني في "معجمه الكبير" عن جُويبر - وهو ضعيف جداً - عن الضحاك. ورويت من وجوه أخرى لا تخلو من ضعف. نص القرآن قطعي الثبوت وتأويله في اللغة: والأئمة النقاد جوزوا الرواية في التفسير عن بعض من لا تُقبل روايته في الأحكام؛ لأن مَرَدَّ التفسير إلى اللغة، ومرد الأحكام إلى النص، والنص لا يثبت إلا بصحة الإسناد، واللغة تثبت بوجوه عدَّةٍ، ونص القرآن قطعي الثبوت. يقول يحيى بن معين: " اكتبوا عن أبي مَعْشَرٍ حديث محمد بن كعب خاصَّة "، وذلك أن رواية أبي معشر عن محمد بن كعب هي في التفسير خاصة، لا يكاد يكون له حديث في غيره. والمنكر في باب التفسير بيِّن واضحٌ أظهَرُ من غيره، للاشتراك في مخالفته لوجوه اللغة مَعَ أصول الشرع، أولا يكون له نظائرُ في القرآن. الإجماع في التفسير: ومن ثمرة ذلك ونتيجته: قلةُ حكاية الإجماع في التفسير، فهو من أقلِّ أبواب العلم، ولا يلزم من ذلك كثرة الخلاف وغَلَبَتُه، بل لأن القرآن جاء ليُحمَلَ على وجوه تتَّفق في الأصل والمقصد، تختلف في اللفظ، فاختلاف ألفاظ المفسرين للقرآن هي من اختلاف التنوُّع، لا من اختلاف التَّضَادِّ على الأغلب. وأكثر القرآن مجمع على تفسيره بمعاني منصوصة، لكن لا ينصون على الإجماع في الواضح البين متمحض الوضوح . وإذا علم أن في المسألة إجماعاً في تأويلِ آيةٍ، أو الاتفاق على أنها نزلت في كذا ونحو ذلك، فلا يُعتمَدُ على ما يخالفها. وقد أكثر بعض الأئمة مِنْ حِكَايَات الإجماع؛ كابن جرير الطبري، وكذلك ابن عطية. وهو يعتمد على ابن جرير كثيراً، والقرطبي، ويعتمد كثيراً على ابن عطية، والواحدي له إجماعات في تفسيره، وفي بعضها نظر فهو من المتساهلين في هذا الباب. والإجماع المنصوص عليه عندهم في التفسير دون المائتين، ولا يزيد عليها قطعاً، وأكثرها عند ابن جرير الطبري. ومنهج ابن جرير الطبري في حكاية الإجماع أنه لا يعتدُّ بمخالفة الواحد ولا الاثنين، مع علمه ومعرفته بخلافهم؛ لذلك قد روى في كثيرٍ من المواضع ما يخالِف ما يحكيه من الإجماع. ومن أكثر الأئمة نقلاً من المفسرين المتأخرين: الإمام القرطبي، وقد اعتمد على غيره في حكاية الإجماع - سواء في مسائل الأحكام أو غيرها - كابن جرير الطبري وابن المنذر، وابن عبد البر، وابن العربي، وابن عطية، ممن كان معروفاً بالعناية بحكاية الإجماع، وإن كان هو ممن لا يحكي الإجماعَ جُزافاً؛ فإنه يُمَحِّصُه في كثيرٍ من المواضع، ولا يسلَّم له في كثير من المواضع؛ فإنَّ أقلَّ من ربعها لا يثبت فيه إجماع، والخلاف فيها مُعْتَبَرٌ. تفسير الضعفاء موافق لوجوه اللغة في الغالب: وبالسبر لمرويات الضعفاء في التفسير؛ فإنها - في الغالب - لا تخالف وجهًا من وجوه العربية؛ فإن خالفت وجهًا فإنها تُحْمَل على الوجه الآخر، الذي لا يخالف نصاً ولا حكماً ولا أصلاً، والنبي ? كلامه مبيِّن للقرآن موضِّح له، ومع ذلك فهو يجمع المعاني الكثيرة باللفظ القليل، وهو ما يُسَمَّى بجوامعِ الكلمِ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ " رواه البخاري. وجَوامِعُ الكَلِم - كما فسرها الزهري عند البخاري في "الصحيح" - قال : " هي جمع المعاني لأمورٍ كثيرة بألفاظٍ قليلة "؛ فإذا كان هذا لكلام النبي? المبيِّنِ الموضِّحِ للقرآن؛ فهو لكلام الله جل وعلا من باب أَوْلَى، فكلام الله له وجوهٌ عدةٌ، كما أخرج ابن سعد من طريق عكرمة عن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج، فقال: "اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاجَّهم بالقرآن؛ فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة". وأخرج من وجه آخر أن ابن عباس قال له: يا أمير المؤمنين، فأنا أعلَمُ بكتاب الله منهم؛ في بيوتنا نزل. قال: صدقت، ولكن القرآن حَمَّال ذو وجوهٍ، تقول ويقولون، ولكن خاصمهم بالسُّنن؛ فإنهم لن يجدوا عنها مَحِيصاً. فخرج إليهم فخاصمهم بالسنن، فلم تبق بأيديهم حجَّة". وقد جعل بعضُ العلماء ذلك من أنواع معجزات القرآن، حيث كانت الكلمةُ الواحدةُ تنصرف إلى عشرة أوجه وأكثر وأقلَّ، ولا يوجد ذلك في كلام البشر؛ فقد يشتبه على الإنسان اختلافُ بعض الصحابة بحَمْلِ بعض الألفاظ على تأويل آيةٍ ويخالفه الآخر ونحو ذلك، وهذا كلُّه يُحْمَل على باب التنوُّع، ولا يُحْمَل على المخالفة.
بالتوفيق ان شاء الله
بحث قرآني الحمد لله رب العالمين حمدَ الشاكرين، نحمدُه على عظيمِ نعمائِه، وجميلِ بلائهِ، ونرغبُ إليه في التوفيقِ والعصمةِ، ونبرأُ إليه من الحَولِ والقوة، ونسأله يقيناً يملأُ الصدرَ ويعمرُ القلبَ ويستولي على النَّفس، والصلاة على خيرِ خلقهِ والمصطفى من بريَّته محمدٍ سيد المرسلينَ وعلى أصحابهِ وآلهِ الأخيارِ وسلم، وبعد: فالتفسير والبيان رسالة خير الخلق، قال تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} النحل 44، وهو خير ما يُتعلَّم ويُعلم، وقد أنزل الله كتابه بيناً واضحاً لأهل اللسان العربي، فقال: {بلسان عربي مبين} الشعراء 195 والتفسير مردُّه إلى لغة العرب، فيها بيانُه، وجلاؤه. واللسان العربي يتفاوت مِن جيل إلى جيل، وما كُل من تكلم العربية استطاع معرفةَ مقاصد الكتاب، ما لم يقرِن ذلك بفهم الصدر الأول وخير القرون . روى الخطيب البغدادي في "جامع بيان العلم" عن إبراهيم التيمي قال: خلا عمرُ بن الخطاب ذات يوم، فجعل يحدِّث نفسه، فأرسل إلى ابن عباس، قال: كيف تختلف هذه الأمة وكتابها واحد، ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟ قال ابن عباس: يا أميرَ المؤمنين، إنما أُنزل علينا القرآنُ فقرأناه، وعلِمنا فيم نزل، وإنه يكون بعدَنا أقوامٌ يقرؤون القرآن ولا يعرفون فيم نزل، فيكون لكلّ قومٍ فيه رأي، فإذا كان لكل قوم فيه رأي اختلفوا فإذا اختلفوا اقتتلوا. فزَبَرَه عمر وانتهره، فانصرف ابن عباس، ثم دعاه بعدُ، فعرف الذي قال، ثم قال: إيهٍ، أعِدْ عليّ. أنواع التفسير: روى ابن جرير في "تفسيره" عن ابن عباس: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب مِن كلامها، وتفسير لا يعذر أحدٌ بجهالتِه، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله . فجعل ابن عباس أنواع التفسير أربعة: الأول وهو الأصل: ما يعرفه أصحاب اللسان العربي الصحيح؛ لأن القرآن بلسانهم نزل، فيُلتمس تفسير القرآن في الشعر العربي الجاهلي، وما بعدَه بقليل قبل دخول العُجْمَة، ويأتي مزيد كلام على هذا النوع الثاني: ما لا يُعذر أحد بجهله مِن أهل العربية، لظهوره ووضوحه عند أهل السَّليقة، وهذا أصلُ النوع الأول، وذاك فرعٌ منه . الثالث: ما يعلمه العلماء العارفون بالوحي، وكلّما كان العالم بصيراً بالسُّنة ووجوه اللغة، وأسباب النزول، وعمل الصحابة، كان للتفسير أبصرَ، وما لا يعرفه بعد ذلك فهو المتشابه . ويتفاوت العلماء في ذلك؛ فقد يكون الموضع متشابهاً عند عالِمٍ، محكماً بيناً واضحاً عند غيره، ومَن عرف السنة والعربية وعمل السلف وقرائن الحال عند نزول الآي قل المتشابه عنده، وظهر المحكم . الرابع: ما لا يعلمه إلا الله، ونصَّ بعض العلماء أن ثمَّة شيئاً مِن التفسير ما يحرُم الخوض فيه، وهو ما لا يعلمه إلا الله . ومِن أحسن ما يمثَّل لذلك هو الحروفُ المقطَّعة في أوائل السور، ولم يثبُت فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم شيء يعتمد عليه، وقد جاء في ذلك جملةٌ مِن المرويّات عن الصحابة، وجُلُّها ضعيف أو منكر. التفسير وأسانيده من المهمات التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها، ويتبصر فيها، ويعرف الصحيح منها والضعيف، ويجهل كثير من طلبة العلم هذا العلم، ولا يعتنون به . التفسيرالمرفوع قليل: ومسالك العلماء في قبول الأسانيد- في هذا الباب- أو رَدِّهَا، تختلف عن غيرها، وإن كان بالجملة التفسير هو مما يقِلُّ فيه المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول السيوطي - رحمه الله - في أوائل كتابه" الإتقان": " والمرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التفسير هو فِي غاية القلة" . وساقها في أواخر كتابه" الإتقان " مما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحيح والضعيف . وإذا كان عبد الله بن عباس، وهو من اشتهر بمعرفة التأويل والتفسير والإكثار فيه، يقول فيه الإمام الشافعي كما ذكر البيهقي في " مناقب الشافعي " في (بابٌ ما يدل على معرفته بصحيح الحديث): "ليس شيء يصح عن عبد الله بن عباس في التفسير إلا شبيه مائة حديث". فإذا كان هذا الحال فيما يروى عن عبد الله بن عباس في الموقوف فالمرويُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلّ. وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن تفسير كلام الله ما هو صحيحٌ بأسانيدَ كالشمس، ومنها جاء جملة منها في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما . ومن ذلك: تفسير الظلم بالشرك، وكذلك تفسير الحساب بسؤال الله ومناقشته للعبد يوم القيامة، كما جاء في حديث عائشة في الصحيح وغيره، وغير ذلك مِن التأويل . وما جاء شيء من التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حُجَّة قاطعة، وهو مِن الوحي، وهو أولى ما يُؤْخَذ ويُعمل به، وهو مقدَّم على قول كل أحدٍ؛ لأن الله ما جعل الحُجة في قول أحدٍ إلا في قول نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم 3 : 4معنى قول أحمد لا أصل لها... ومِن أقل المروياتُ في الأبواب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرويات في باب التفسير، وأكثرها معلولٌ، يقول الإمام أحمد -رحمه الله- :" ثلاثةٌ ليس لهَا إِسْنِاد: التفسير والملاحم والمغازي " . وقد جاء في رواية عنه: " ثلاثةٌ لا أصل لها ". ومرادُه بذلك: أن الضعيف أكثرُ مِن الصحيح، والصحيحُ عنه مقارنة بما جاء في هذا الباب من المرفوع والموقوف لا يكاد يُذكر، وإنما هو عشرات المواضع فقط . وهكذا فسره المحققون من أصحاب أحمد، كما حكاه الزركشي في "البرهان" بقوله: ( قال المحققون من أصحابه: مُراده: أن الغالبَ أنه ليس لها أسانيدُ صِحاحٌ متصلةٌ، وإلا فقد صحّ من ذلك كثيرٌ؛ كتفسير الظلم بالشرك في آية الأنعام، والحساب اليسير بالعرض، والقوة بالرمي، وغيره ) وكثير من المرفوع هو في عِدَاد الضعيف، والمنكر، والموضوع، ولذلك قال: "ثلاثة ليس لها إسناد، أو لا أصل لها، " يعني: " ليس لها إسناد يُعتمد عليه، وإن وُجِدَ فوجودُه كعدمه"، بخلاف ما يفهمُه بعضُهم من ظاهر لفظه بأنها تُروى بغير إسناد، وهذا غير صحيح؛ فإن الإمام أحمد قد أخرج جملة مِن الأحاديث في "مسنده". وقال في موضع آخر من "سؤالاته" وغيرها: "إنها ليس لها إسناد أو ليس لها أصل"، وهو أعلمُ الناس بما يروي، والأمثلة على ذلك كثيرة .. من ذلك: ما رواه في "مسنده" مِن حديث ابن عمر مرفوعاً: "مَنِ اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفيه درهمٌ حرامٌ لم تُقْبل له صلاةٌ ما دام عليه"، قال فيه في رواية أبي طالب: هذا ليس بشيءٍ ليس له إسناد. ومنها: ما رواه عن أبي مِجْلَزٍ عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر، فرأى أصحابُه أنه قرأ ( تنزيل ) السجدة"، وقد قال أحمد: (ليس له إسناد) . ومنها حديث "كنّا نَعُدُّ الاجتماع إلى أهل الميت وصَنْعَةَ الطعام مِن النياحة". رواه في مسنده، ونقل عنه أبو داود في "سؤالاته" قوله فيه: (لا أصل له) . وغير ذلك كثير.. تساهل السلف في التفسير: ولما كان الرواة الثقات يعتنون بأمور الديانة، ومسائل الأحكام الظاهرة التي يُخَاطب بها الناس في حياتهم، وحرصوا عليها، ونقلوها، وشدَّدوا بالنقل، تساهلوا- لما كان العمر يضيق بالكل – بغيرها، فاعتَنوا بالأهم. ولَمَّا حُفظت الشريعة وبُدئ بتدوينها، ظهرت العناية بعلوم التفسير والسِّير والتاريخ والفتن والمغازي وغيرها، وهي في التابعين أظهرُ من الصحابة وفي أتباع التابعين أظهرُ من التابعين وفي أتباع أتباع التابعين أظهرُ من أتباع التابعين وهكذا، حتى توسَّعت العلوم . وفي الغالب فالمبرزون في التفسير والسير والمغازي لا يصِلون لمتوسطي الثقات من رواة أحاديث الأحكام، ولهذا كثُر في أسانيد التفسير الضعيفُ والواهي والمنكَرُ والموضوع، فلم يحملْه الكبار ولم يعتنوا به؛ كشعبةَ وسفيانَ ومالكٍ وابن مهدي، وغيرهم من الأئمة الحفَّاظ الكبار الأثبات، وإن كانوا قد روَوْا جملةً مِن ذلك . والأئمة يتساهلون في التفسير، ولا يتساهلون في أمور الأحكام . يقول عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: "إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال، تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام، تشدَّدنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال ". ويقول يحيى بن سعيد: " تساهلوا في أخذ التفسير عن قوم لا يوثِّقونهم في الحديث - ثم ذكر ليثَ بن أبي سُلَيْم وجُوَيْبِرَ بن سعيدٍ والضَّحَّاك، ومحمد بن السائب. وقال: - هؤلاء لا يُحْمَدُ أمرُهم، ويكتب التفسيرُ عنهم". رواه الخطيب عنه في "الجامع". والكتابة عنهم في التفسير تُحتمل؛ لأنهم قد اعتَنوا بذلك، فصاروا مِن أئمة التفسير، وكذلك مِن أئمة اللغة. ويُحَّدث عن هؤلاء الضعفاء، وإن كان بعضهم لا يُعْتَمدُ عليه. سبب عدم عناية الأوائل بالتفسير: وسبب عدم عناية الحفاظ الأوائل بالتفسير يرجع إلى أمور: أولاً: الانشغال بالأحكام والمسائل والأصول وفروع الأحكام التعبُّديِّة كما تقدم بيانه . ثانياً: وهو الأهم، ومبيِّن للسبب الأول: أن القرآن نزل بلسانٍ عربي مبين، يفهمه عامَّة الناس في الصدر الأول، وتفسير ألفاظه وبيانه مِن فضول العلم عند كثيرٍ منهم، بل إن فهم الأعرابي منهم لألفاظه ومقاصده يفوق فهم كثيرٍ مِن كبار المفسرين مِن المتأخِّرين، وما نزل القرآن إلا ليفهمه الناس بلا تكلُّفٍ وبيانٍ، وهذا مقتضى التكليف بمجرد السماع وبلوغ الحُجَجِ للأسماع، كما قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} التوبة 6، لأن الأصل أن القرآن مفهوم بمجرد سماعه عند جمهور الخلْق، ولكن لمَّا توسَّعت بلدان المسلمين، وكثُرت الفتوحات، واختلط العرب بالعجم، دخلت العُجْمة على اللسان العربي، فاحتاج للتفسير، وهذا سبب قلَّة التفسير المرفوع؛ لأنه لا حاجةَ إليه عندهم، فلو فسَّروا القرآن لفسَّروه بما يرادِفه فهماً، واستوى المفسَّر والمفسَّر به من جميع الوجوه أو أكثرها، ولأصبَحَ التفسير حَشْواً، يزهد الناس في النظر فيه، مع استحالة حصول ذلك منهم؛ فالعرب تكره الحَشْوَ والتِّكرار وتُنَزِه نفسَها عنه، والنفوس تأبى أن تفسَّر لها الواضحاتُ، ولذلك كلِّه يعرفُ قلَّة التفسير للقرآن عندهم، بل إذا كان العربي يُنَزِه نفسَه والمخاطَبَ عن سماع المترادفات في كلامهم، فذلك في كلام الله أولى؛ لأن جُلَّ كلامه واضحٌ بيِّنٌ لا يُحتاجُ معه إِلى قَلبٍ ولا تَعَسُّفٍ. مع أنهم عربٌ يُعربون الكلام سليقةً، ولا يحتاجون إلى قواعدَ وضوابطَ نحويَّةٍ، بل لا يعرفونها، لذا يقول الشاعر: ولَستُ بِنَحْويٍّ يَلُوكُ لِسَانَهُ ** ولكن سَلِيْقيٌّ أَقولُ فأُعْرِب قال الشافعي: كان مالكُ بن أنسٍ يقرأ بالسَّليقية لهذا امتاز لسان البصريين عن لسان الكوفيين؛ لأنهم أخذوه من منبعِه الأصلي، وهو لسان الأعراب الأقحاح، يقول الرِّياشي أبو الفضل البصري، وهو يلمز الكوفيين: إنما أخذنا اللغة من حَرَشَةَ الضِّباب وأكَلَة اليرابيع، وهؤلاء أخذوا اللغة من أهل السواد أكَلَة الكواميخ والشَّواريز. ويقول أبو محمد اليزيدي البصري: كنَّا نَقِيسُ النحوَ فيما مَضى * * على لسانِ العَرَبِ الأوَّلِ فجاءَ أقـوامٌ يقيسـُونَهُ * * على لُغَى أشياخ قُطْرُبُلِ الاحتراز في تأويل القرآن: ثم إنه يجب الاحترازُ في تأويل القرآن ما لا يجب في غيره؛ لأن تأويل كلام المتكلم مما يُنسب إليه معنىً، وإن لم ينسب إليه لفظاً، ولهذا جوّز جماعةٌ من المحدِّثين روايةَ الحديث بالمعنى بشروطه. والعرب وغيرُهم قديماً وحديثاً يعتنون بنقل نصوص العظماء والملوك كما قالوها مِن غير زيادة أو تأويلٍ لمن يفهمُها، كما أنهم يحترزون عند الحديث معهم؛ لأن التَّبعَة في ذلك أكبرُ من غيرهم، وهذا في حقِّ الله وكلامه أعظم وأجلُّ. ميل العرب إلى الاختصار: وكذلك الأولى في كلِّ معنى أن يُبَلَّغ بأقصرِ عبارة، ولهذا كان كلام السلف فيه من الاختصار مَعَ كمال المعنى ما ليس في كلام المتأخرين مَعَ كثرة عباراتِهِم. وهذا كما أنه في الألفاظ، كذلك في المعاني؛ فالقرآن لا يذكُر فيه مخاطبة كلِّ مُبْطِل بكل طريق وكل حجة، ولا ذكر كل الشُّبهات الواردة على الأذهان وجوابَها، فإن هذا لا حدَّ له ولا نهايةَ، بل ولا يَنضبط بضابطٍ، وإنما يذكر الحق والأدلة الموصلة إليه لذوي الفِطَرِ السليمة؛ لأن هذا هو الأصلُ في الخلق، ثم إذا اتفق مُعَاندٌ ومكابرٌ أو جاهل، كان مَنْ يخاطبه مخاطباً ومحاججاً له بحسب ما تقتضيه المصلحة، وقد يكون مقامهُ كمقام المترجِم لمعاني القرآن. وما يُعرف بالمشاهدة، أو ما يُسلَّم دخوله تحت لفظ عام يشمل جملة من الأفراد؛ كالكواكب مثلاً معروفة بالمشاهدة ويدخل تحتَها ما لا يحصى من الأفراد، بيانُه حَشْوٌ، فببيان أن الشمس موجودةٌ والقمر موجود والكواكب موجودة، والإنسان يعلم هذا بالمشاهدة، هذا مما يُسْتقبَح ذكره، ويستثقلُهُ جمهورُ العقلاء، فضلاً عن البُلغاء؛ لأن هذا عندهم معلومٌ مستقرٌّ في عقولهم، لا يحتاجون فيه إلى خطابٍ وتفسيرِ عالمٍ من العلماء فضلاً عن كتاب مُنَزلٍ من السماء. الأصل في القرآن أنه واضح عند السلف لا يحتاج إلى تفسير وكثيرٌ من تفاسير المتأخرين التي يحفَلُ بها الخاصة، لو عُرِضتْ على العرب عند نزول القرآن لزَهدوا فيه، فكثيرٌ مما فيها يعدُّونه لُكْنةًَ وعَيَّاً لا يحتاج إليه، ويروْنه من باب إيضاح الواضحات. وإذا قُدر أن بعض الناس فيهم احتاج إلى بيان وتوضيح ما عُرض عليه من القرآن، كان هذا من الأعراض النادرة التي لا تعرِض لجمهورهم، ولعُدَّ هذا مِن العَيِّ والقصور، وما تزال مثل هذه الأعراض تزداد حتى غلبت في الناس، فاستثقلوا القرآن بلا تفسيرٍ لألفاظه، كما استثقله الأوائل بالتفسير. والتفسير ليس مقصوداً لذاته.. وأساليب القرآن معلومةٌ لدى العرب الفصحاء غير خافيةٍ، وإن كان قد يخفى على بعضهم شيء منها؛ وذلك لغرابتها على مسمعه، وعدم اعتياده عليها في لغة قومه، ومن حولهم، كما خفي على ابن عباس بعض معاني مفرداته؛ كلفظ "فاطر"؛ فقد روى الطبري في "تفسيره"، وأبو عبيد عن مجاهد، قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما (فاطر السموات والأرض)؛ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: لصاحبه: أنا فطرتها ؛ يقول: أنا ابتدأتها. ومثل ذلك أيضاً: ما أخرجه ابن جرير عن سعيد بن جُبير أنه سئل عن قوله: (وحنانا من لدنا) فقال: سألت عنها ابن عباس فلم يُجِب فيها شيئا.ً وأخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: لا والله ما أدري ما (وحنانا).ً وهذا نادر فيهم، وإن جَهِلَه فردٌ منهم عَلِمَه جمهورهم. بلاغة السلف سليقة: ً وأساليب القرآن لما كانت على طريقتهم في كلامهم في يومهم وليلتهم، لم يَخْفَ عليهم المراد بها، فيعلمون من قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْت الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} الدخان 49 أنّ هذا الخطابَ خطابُ امتهان وتهكَّم، وإن كانت ألفاظُه مما يُستعمل في المدح، عرفوا ذلك من السياق لا من اختصاص اللفظ. ونظير هذه الآية وصف شعيب عليه الصلاة والسلام بالحلم والرشد من قومه المعاندين: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} هود: 87 قد يتبادر إلى ذهن القارىء أن المراد بذلك: إنك حليم رشيد؛ والصواب لست بحليم ولا برشيد. قاله ابن عباس وغيره. وهذا ونظائره لم يكن منهم بجُهدٍ ولا تكلُّفٍ؛ فهي لغتُهم التي يتحدثون بها، ولأنها كذلك لم ينصُّوا في كلِّ موضع على المقصود منه في القرآن، ولو قيل لأعجمي يعرف معاني الألفاظ: فسر الآية، لفسَّرها على غير وجهها؛ لأن الأمر مُتعلِّق بالسياق لا بذاتِ اللفظ. ولما تقادم العهد، ودخلت العُجْمَة على العرب بالاختلاط بالعجم، ظهر لهذه الأساليب الفنُّ المدوَّنُ بعدُ باسم (علم البلاغة) لمعرفة طرائق العرب وتفنُّنها في أساليب خطابها، فوضعوا المصطلحات والقواعد لتقريب هذا العلم، لا لإتقانه؛ إذ لا يتقنُه إلا من تحدث بلغتهم وحَفِظ أشعارهم ومنثورهم، وهذا يعز وجوده في المتأخرين. نشأة علم البلاغة: وعُرفت البلاغة في عصر متأخري التابعين، ثم اشتهرت بعد ذلك، وحُكي الإجماع على أن البلاغة ما نشأت إلا تحت تفسير القرآن، وقد اعتنى بها كثير مِن الأئمة باستخراج البديع والإعجاز من كلام الله. وصنف معمر بن المثنى كتابه فيها، وقيل: إنه قد أخذ من نافع بن الأزرق عن عبد الله بن عباس. ويحتمل أنه أخذه من غيره؛ وهو إمامٌ في لغة العرب، ونافع عرض ألفاظاً من غريب القرآن أشكلت عليه على عبدالله بن عباس؛ إذ جاءه بمكة يسأله عنها، واشترط على ابن عباس؛ أن يأتيه على كل مسألة وتفسير بشواهد من أشعار العرب، وذلك حينما خرج ونَجْدَة بنُ عويمر وآخرون من الخوارج إلى مكه فلقوا ابن عباس، فسأله نافع عن مسائل من القرآن. ومسائل ابن الأزرق أخرجها أبو بكر بن الأنباري في (الوقف والابتداء)، وهي منثورةٌ في عدة من كتب التفسير، رواها محمد بن زياد اليشكُري عن ميمون بن مهران، واليشكري هذا كذاب، وروى جملة منها الطبراني في "معجمه الكبير" عن جُويبر - وهو ضعيف جداً - عن الضحاك. ورويت من وجوه أخرى لا تخلو من ضعف. نص القرآن قطعي الثبوت وتأويله في اللغة: والأئمة النقاد جوزوا الرواية في التفسير عن بعض من لا تُقبل روايته في الأحكام؛ لأن مَرَدَّ التفسير إلى اللغة، ومرد الأحكام إلى النص، والنص لا يثبت إلا بصحة الإسناد، واللغة تثبت بوجوه عدَّةٍ، ونص القرآن قطعي الثبوت. يقول يحيى بن معين: " اكتبوا عن أبي مَعْشَرٍ حديث محمد بن كعب خاصَّة "، وذلك أن رواية أبي معشر عن محمد بن كعب هي في التفسير خاصة، لا يكاد يكون له حديث في غيره. والمنكر في باب التفسير بيِّن واضحٌ أظهَرُ من غيره، للاشتراك في مخالفته لوجوه اللغة مَعَ أصول الشرع، أولا يكون له نظائرُ في القرآن. الإجماع في التفسير: ومن ثمرة ذلك ونتيجته: قلةُ حكاية الإجماع في التفسير، فهو من أقلِّ أبواب العلم، ولا يلزم من ذلك كثرة الخلاف وغَلَبَتُه، بل لأن القرآن جاء ليُحمَلَ على وجوه تتَّفق في الأصل والمقصد، تختلف في اللفظ، فاختلاف ألفاظ المفسرين للقرآن هي من اختلاف التنوُّع، لا من اختلاف التَّضَادِّ على الأغلب. وأكثر القرآن مجمع على تفسيره بمعاني منصوصة، لكن لا ينصون على الإجماع في الواضح البين متمحض الوضوح . وإذا علم أن في المسألة إجماعاً في تأويلِ آيةٍ، أو الاتفاق على أنها نزلت في كذا ونحو ذلك، فلا يُعتمَدُ على ما يخالفها. وقد أكثر بعض الأئمة مِنْ حِكَايَات الإجماع؛ كابن جرير الطبري، وكذلك ابن عطية. وهو يعتمد على ابن جرير كثيراً، والقرطبي، ويعتمد كثيراً على ابن عطية، والواحدي له إجماعات في تفسيره، وفي بعضها نظر فهو من المتساهلين في هذا الباب. والإجماع المنصوص عليه عندهم في التفسير دون المائتين، ولا يزيد عليها قطعاً، وأكثرها عند ابن جرير الطبري. ومنهج ابن جرير الطبري في حكاية الإجماع أنه لا يعتدُّ بمخالفة الواحد ولا الاثنين، مع علمه ومعرفته بخلافهم؛ لذلك قد روى في كثيرٍ من المواضع ما يخالِف ما يحكيه من الإجماع. ومن أكثر الأئمة نقلاً من المفسرين المتأخرين: الإمام القرطبي، وقد اعتمد على غيره في حكاية الإجماع - سواء في مسائل الأحكام أو غيرها - كابن جرير الطبري وابن المنذر، وابن عبد البر، وابن العربي، وابن عطية، ممن كان معروفاً بالعناية بحكاية الإجماع، وإن كان هو ممن لا يحكي الإجماعَ جُزافاً؛ فإنه يُمَحِّصُه في كثيرٍ من المواضع، ولا يسلَّم له في كثير من المواضع؛ فإنَّ أقلَّ من ربعها لا يثبت فيه إجماع، والخلاف فيها مُعْتَبَرٌ. تفسير الضعفاء موافق لوجوه اللغة في الغالب: وبالسبر لمرويات الضعفاء في التفسير؛ فإنها - في الغالب - لا تخالف وجهًا من وجوه العربية؛ فإن خالفت وجهًا فإنها تُحْمَل على الوجه الآخر، الذي لا يخالف نصاً ولا حكماً ولا أصلاً، والنبي ? كلامه مبيِّن للقرآن موضِّح له، ومع ذلك فهو يجمع المعاني الكثيرة باللفظ القليل، وهو ما يُسَمَّى بجوامعِ الكلمِ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ " رواه البخاري. وجَوامِعُ الكَلِم - كما فسرها الزهري عند البخاري في "الصحيح" - قال : " هي جمع المعاني لأمورٍ كثيرة بألفاظٍ قليلة "؛ فإذا كان هذا لكلام النبي? المبيِّنِ الموضِّحِ للقرآن؛ فهو لكلام الله جل وعلا من باب أَوْلَى، فكلام الله له وجوهٌ عدةٌ، كما أخرج ابن سعد من طريق عكرمة عن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج، فقال: "اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاجَّهم بالقرآن؛ فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة". وأخرج من وجه آخر أن ابن عباس قال له: يا أمير المؤمنين، فأنا أعلَمُ بكتاب الله منهم؛ في بيوتنا نزل. قال: صدقت، ولكن القرآن حَمَّال ذو وجوهٍ، تقول ويقولون، ولكن خاصمهم بالسُّنن؛ فإنهم لن يجدوا عنها مَحِيصاً. فخرج إليهم فخاصمهم بالسنن، فلم تبق بأيديهم حجَّة". وقد جعل بعضُ العلماء ذلك من أنواع معجزات القرآن، حيث كانت الكلمةُ الواحدةُ تنصرف إلى عشرة أوجه وأكثر وأقلَّ، ولا يوجد ذلك في كلام البشر؛ فقد يشتبه على الإنسان اختلافُ بعض الصحابة بحَمْلِ بعض الألفاظ على تأويل آيةٍ ويخالفه الآخر ونحو ذلك، وهذا كلُّه يُحْمَل على باب التنوُّع، ولا يُحْمَل على المخالفة.
بالتوفيق ان شاء الله
حب الدعوة لله- عضو متالق
- الاوسمة
عدد المساهمات : 94
نقاط : 184
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 05/01/2011
مواضيع مماثلة
» السلام عليكم
» الالياذة -----------------
» امنيات لا يمكن ان تتحقق ,,,,,,
» قصة عن الغضب
» اصعب ثلاثه اساله
» الالياذة -----------------
» امنيات لا يمكن ان تتحقق ,,,,,,
» قصة عن الغضب
» اصعب ثلاثه اساله
منتدى السعادة مع الله :: عامة :: المنتدى العام :: عام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى