علي بن ابي طالب
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
علي بن ابي طالب
أبو الحسن علي بن أبي طالب (13 رجب 23 ق.هـ/17 مارس 599م - 21 رمضان 40 هـ/ 28 فبراير 661 م) ابن عم محمد بن عبد الله نبي الإسلام وصهره، من آل بيته، وأحد أصحابه، هو رابع الخلفاء الراشدين عند السنة وأوّل الأئمّة عند الشيعة.
ولد في مكة وتشير بعض مصادر التاريخ بأن ولادته كانت في جوف الكعبة [1] وكافله حين توفي والديه وجده، وأُمّه فاطمة بنت أسد الهاشميّة. أسلم قبل الهجرة النبويّة، وهو ثاني أو ثالث الناس دخولا في الإسلام، وأوّل من أسلم من الصبيان. هاجر إلى المدينة المنوّرة بعد هجرة محمد بثلاثة أيّام وآخاه محمد مع نفسه حين آخى بين المسلمين، وزوجه ابنته فاطمة بنت محمد في السنة الثانية من الهجرة.
شارك علي في كل غزوات الرسول عدا غزوة تبوك حيث خلّفه فيها محمد على المدينة. وعُرف بشدّته وبراعته في القتال فكان عاملاً مهماً في نصر المسلمين في مختلف المعارك. لقد كان علي موضع ثقة محمد فكان أحد كتاب الوحي وأحد أهم سفرائه ووزرائه.
تعد مكانة علي بن أبي طالب وعلاقته بأصحاب محمد موضع خلاف تاريخي وعقائدي بين الفرق الإسلامية المختلفة، فيرى بعضهم أن الله اختاره وصيّاً وإماماً وخليفةً للمسلمين، وأنّ محمداً قد أعلن ذلك في ما يعرف بخطبة الغدير، لذا اعتبروا أنّ اختيار أبي بكر لخلافة المسلمين كان مخالفاً لتعاليم النبي محمد، كما يرون أنّ علاقة بعض الصحابة به كانت متوتّرة. وعلى العكس من ذلك ينكر بعضهم حدوث مثل هذا التنصيب، ويرون أنّ علاقة أصحاب محمد به كانت جيدة ومستقرّة. ويُعدّ اختلاف الاعتقاد حول علي هو السبب الأصلي للنزاع بين السنة والشيعة على مدى العصور.
بويع بالخلافة سنة 35 هـ (656 م) بالمدينة المنورة، وحكم خمس سنوات وثلاث أشهر وصفت بعدم الاستقرار السياسي، لكنها تميزت بتقدم حضاري ملموس خاصة في عاصمة الخلافة الجديدة الكوفة. وقعت الكثير من المعارك بسبب الفتن التي تعد امتدادا لفتنة مقتل عثمان، مما أدى لتشتت صف المسلمين وانقسامهم لشيعة علي الخليفة الشرعي، وشيعة عثمان المطالبين بدمه على رأسهم معاوية بن أبي سفيان الذي قاتله في صفين، وعائشة بنت أبي بكر ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام الذين قاتلوه في يوم الجمل؛ كما خرج على علي جماعة عرفوا بالخوارج وهزمهم في النهروان، وظهرت جماعات تعاديه سموا بالنواصب. وقتل على يد عبد الرحمن بن ملجم في رمضان سنة 40 هـ 661 م.
اشتهر علي عند المسلمين بالفصاحة والحكمة، فينسب له الكثير من الأشعار والأقوال المأثورة. كما يُعدّ رمزاً للشجاعة والقوّة ويتّصف بالعدل والزُهد حسب الروايات الواردة في كتب الحديث والتاريخ. كما يُعتبر من أكبر علماء الدين في عصره علماً وفقهاً إنْ لم يكن أكبرهم على الإطلاق كما يعتقد الشيعة وبعض السنة والصوفيّة.
ميلاده ونشأته :-
لا يعرف يقينا متى ولد علي بن أبي طالب، لكن بحسب بعض مصادر التراث مثل ما ورد في العمدة:24 فإنه ولد بمكة يوم الجمعة الثالث عشر من رجب بعد ثلاثين عاما من عام الفيل، أي الموافق 17 مارس 599 م أو 600 وفقا للموسوعة البريطانية [2] وتقول مصادر أخرى 23 أكتوبر 598 م أو 600 م [3]. وهو أصغر ولد أبوه أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم أحد سادات قريش والمسئول عن السقاية فيها. ويرجع نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم أحد أنبياء الإسلام. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، قيل أنها أول هاشمية تلد لهاشمي، [4] وكان والدا علي قد كفلا محمدًا حين توفي والديه وجده وهو صغير فتربى ونشأ في بيتهما.
الكعبة، حيث ولد علي بن أبي طالب وفقا لبعض الروايات.
تضاربت الروايات بأن عليا بن أبي طالب ولد داخل الكعبة، حيث يؤكد رجال دين شيعة أنه المولود الوحيد داخل الكعبة وفقا لروايات تقول أن موضع بأحد جدران الكعبة يسمى المستجار قبل الركن اليماني قد انشق لفاطمة بنت أسد حين ضربها الطلق فدخلت الكعبة وولدت علي؛ وروايات أخرى تقول أن أبو طالب فتح لها باب الكعبة فدخلتها وولدت علي بداخلها [5][6][7]. وذكر ذلك في بعض المصادر السنية منها المستدرك للحاكم فجاء فيه: «تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة» [8]، وورد هذا الخبر في مواضع أخرى من كتب السنة والشيعة [9]. بينما ينكر علماء الدين والمؤرخين السنة هذه الروايات الشيعية، حيث ضعف السيوطي سند رواية الحاكم [10]، وضعفها صاحب تهذيب الأسماء [11]، والثابت عند اهل السنة هو أن حكيما بن حزام هو الذي ولد في جوف الكعبة كما أورد ذلك الحاكم والذهبي وابن حجر وغيرهم [12]. تذكر بعض المصادر أن فاطمة أرادت أن تسميه أسدا أو حيدرة تيمنا بأبيها، بينما أراد أبو طالب أن يسميه زيدا، لكن محمد سماه علي [13]، وفي مصادر أخرى أن أمه جائها هاتف يأمرها بتسميته علي [14]، وروي أيضا أن والده وجد لوح مكتوب عليه أبيات من الشعر في مدح ابنه وتسميه علي [15].
حين كان علي ما بين الخامسة والسادسة من عمره مرت بمكة سنين عسرة وضيق أثّرت على الأحوال الاقتصادية في مكة وما حولها، وكان لأبي طالب ثلاثة أبناء: علي وعقيل وجعفر، فذهب إليه محمد وعمه العباس بن عبد المطلب وعرضا عليه أن يأخذ كل منهما ولدا من أبنائه يربيه ويكفله تخفيفا للعبء عليه، فأخذ العباس جعفر وأخذ محمد عليا، فتربى في بيته وكان ملازما له أينما ذهب [2][16][17]، وتذكر بعض المصادر أنه كان يذهب معه إلى غار حراء للتعبد والصلاة [16][18][19]، كما يُذكر أنه كان قبل الإسلام حنفيا ولم يسجد لصنم قط طيلة حياته، ولهذا يقول بعض المسلمون "كرم الله وجهه" بعد ذكر اسمه، وقيل لأنه لم ينظر لعورة أحد قط
إسلامه :-
أسلم علي وهو صغير، بعد أن عرض النبي محمد الإسلام على أقاربه من بني هاشم تنفيذا لما جاء في القرآن [21]. وقد ورد في بعض المصادر أن محمدا قد جمع أهله وأقاربه على وليمة وعرض عليهم الإسلام، وقال أن من يؤمن به سيكون وليه ووصيه وخليفته من بعده، فلم يجبه أحد إلا علي. سمي هذا الحديث "حديث يوم الدار" أو "إنذار يوم الدار" أو "حديث دعوة العشيرة" [22]، وقد ذكر في العديد من الكتب بروايات مختلفة منها ما أورده الطبري في تاريخه 2 ص 216 :
لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنذر عشيرتك الأقربين "، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا عليُّ، إنَّ الله أمَرَنِي أنْ أُنْذِرْ عَشِيرَتِي الأقْرَبِ، فضقت بذلك ذرعا، وعرفت أنى متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ حتى جاء جبرئيل فقال: يا محمد، إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عسا من لبن؛ ثم اجمع لي بنى عبد المطلب حتى أكلمهم، وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به. ثد دعوتهم له؛ وهم يومئذ أربعون رجلا، يزيدون رجلا أو ينقصونه؛ فيهم أعمامه:أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب؛ فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم حذية من اللحم، فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصفحة. ثم قال: خذوا بسم الله، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة وما أرى إلا موضع أيديهم، وايم الله الذي نفس علي بيده؛ وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم. ثم قال: اسق القوم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا منه حتى رووا منه جميعا، وايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام، فقال: لهدما سحركم صاحبكم ! فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الغد يا علي؛ إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم اجمعهم لي. قال: ففعلت، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى مالهم بشيء حاجة. ثم قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعا، ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا بنى عبد المطلب؛ إنى والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به؛ إنى قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيتي وخلفتي فيكم ؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت: وإنى لأحدثهم سنا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا؛ أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي ووصى ووخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.[23][24]
و في رواية أخرى حول إسلام علي ذكر ابن الأثير في أسد الغابة:
عن ابن إسحاق قال: ثم إن علي بن أبي طالب جاء بعد ذلك اليوم- يعني بعد إسلام خديجة وصلاتها معه- قال: فوجدهما يصليان، فقال علي: يا محمد، ما هذا? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دين الله الذي اصطفى لنفسه، وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وإلى عبادته وكفر باللات والعزى".فقال له علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمراً حتى أحدث أبا طالب. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: يا عليّ، إن لم تسلم فاكتم. فمكث عليّ تلك الليلة، ثم إن الله أوقع في قلب عليّ الإسلام، فأصبح غادياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فقال: ماذا عرضت عليّ يا محمد? فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد". ففعل عليّ وأسلم، ومكث عليّ يأتيه سراً خوفاً من أبي طالب، وكتم عليّ إسلامه
وفي رواية عن أنس بن مالك: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء» [18][25].
وبهذا أصبح علي أول من أسلم من الصبيان، وذهب البعض مثل ابن اسحاق لأنه أول الذكور إسلاما، وإن اعتبر آخرون من أهل السنة مثل الطبري أن أبا بكر هو أول الذكور إسلاما مستندين إلى روايات تقول أن عليا لم يكن راشدا حين أسلم [26]، فالروايات تشير لأن عمره حين أسلم يتراوح بين تسعة أعوام وثمانية عشر عام [4][27]؛ وفي رواية أوردها الذهبي في تاريخه: «أول رجلين أسلما أبو بكر وعلي وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه» [28]. كما كان علي أول من صلى مع محمد وزوجته خديجة بعد الإسلام [29] في حين نقل ابن سعد رواية يقول فيها علي أنه أول من أسلم.[27]
لم يهاجر علي إلى الحبشة في الهجرة الأولى حين سمح رسول الإسلام لبعض من آمن به بالهجرة إلى هناك هرباً من اضطهاد قريش. وقاسى معه مقاطعة قريش لبني هاشم وحصارهم في شعب أبي طالب [30]. كما رافق محمدا في ذهابه للطائف لنشر دعوته هناك بعد أن حين اشتد ايذاء قريش له [31]. مكث علي مع محمد في مكة حتى هاجر إلى المدينة.
ليلة الهجرة النبيوية :-
في اليوم الذي عزم فيه محمد على الهجرة إلى يثرب، اجتمع سادات قريش بدار الندوة واتفقوا على قتله، فجمعوا من كل قبيلة شاب قوي وأمروهم بانتظاره أمام باب بيته ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل. حسب اعتقاد المسلمين جاء المَلَك جبريل إلى محمد وحذره من تآمر القريشيين لقتله، فطلب محمد من علي بن أبي طالب أن يبيت في فراشه بدلا منه ويتغطى ببرده الأخضر ليظن الناس أن النائم هو محمد وبهذا غطي على هجرة النبي وأحبط مؤامرة أهل قريش [32]. ،وفي بعض الروايات انه سأل اصحابه من يبيت على فراشه فلم يجبه الا علي ثلاثاً[33] ويعتبر علي أول فدائي في الإسلام بموقفه في تلك الليلة التي عرفت فيما بعد "بليلة المبيت"؛ ويروى بعض المفسرين الشيعة في تفسير الآية القرآنية: ﴿ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله﴾ أنها نزلت في علي بن أبي طالب حين نام في فراش الرسول [34][35]. كان محمدا قد أمره أن يؤدي الأمانات إلى أهلها ففعل، حيث كان أهل قريش يضعون أماناتهم عند محمد. وكانوا في مكة يعلمون أن عليا يتبع محمدا أينما ذهب، لذا فإن بقاءه في مكة بمثابة تمويه لجعل الناس يشكون في هجرة النبي لاعتقادهم بأنه لو هاجر لأخذ عليا معه. بقي علي في مكة ثلاثة أيام حتى وصلته رسالة محمد عبر رسوله أبي واقد الليثي يأمره فيها بالهجرة للمدينة.[36][37]
حياته في المدينة :-
هجرته :-
خرج علي للهجرة إلى المدينة وهو في الثانية والعشرين من عمره، وحسب رواية ابن الأثير في أسد الغابة فقد خرج علي وحيدا يمشي الليل ويكمن النهار [18][38]. بينما تذكر مصادر أخرى أنه اصطحب ركب من النساء هم أمه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت محمد وفاطمة بنت الزبير وزاد البعص فاطمة بنت حمزة بنت عبدالمطلب بن عبد المطلب أو ما سمي بركب الفواطم. ولم تمض غير أيام قليلة حتى وصل علي إلى قباء حيث انتظره محمد بها ورفض الرحيل قبل أن يصل علي الذي كان قد أنهكه السفر وتورمت قدماه حتى نزف منهما الدم. وبعد وصوله بيومين نزل علي مع محمد إلى المدينة [36][37]. حين وصل محمد إلى المدينة قام بما عرف بمؤاخاة المهاجرين والأنصار، لكنه آخى بين علي وبين نفسه وقال له: «أنت أخي في الدنيا والآخرة»[39][40].
زواجه :-
في شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة زوجه محمد ابنته فاطمة ولم يتزوج بأخرى في حياتها، وقد روي أن تزويج فاطمة من علي كان بأمر من الله، حيث توالى الصحابة على محمد لخطبتها إلا إنه ردهم جميعا حتى أتى الأمر بتزويج فاطمة من علي [41]، فأصدقها علي درعه الحطمية ويقال أنه باع بعيرا له وأصدقها ثمنه الذي بلغ 480 درهم على أغلب الأقوال [42]. وأنجب منها الحسن والحسين في السنتين الثالثة والرابعة من الهجرة على التوالي [43]، كما أنجب زينب بنت علي وأم كلثوم بنت علي والمحسن بن علي، والأخير حوله خلاف تاريخي حيث يروى أنه قتل وهو جنين يوم حرق الدار، وفي روايات أخرى أنه ولد ومات في حياة النبي، في حين ينكر بعض السنة وجوده من الأساس. في أكثر من مناسبة صرح محمد أن علي وفاطمة والحسن والحسين هم أهل بيته مثلما في حديث المباهلة وحديث الكساء [44]، ويروى أنه كان يمر بدار علي لإيقاظهم لآداء صلاة الفجر ويتلو آية التطهير.
أعماله في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم :-
كان عليا موضع ثقة محمد، فكان أحد كتاب القرآن أو كتاب الوحي الذين يدونون القرآن في حياة النبي محمد. وكان أحد سفرائه الذين يحملون الرسائل ويدعون القبائل للإسلام، واستشاره محمد في الكثير من الأمور مثلما استشاره في ما يعرف بحادثة الإفك [43]. شهد بيعة الرضوان وأمره محمد حينها بتدوين وثيقة صلح الحديبية وأشهده عليه [47][48]. يروى في الاستيعاب أن محمد بعث خالد بن الوليد إلى اليمن ليدعوهم فبقي هناك ستة أشهر فلم يجبه أحد فبعث محمد بعلي إلى اليمن فأسلمت على يديه همدان كلها، وتتابع بعدها أهل اليمن في الدخول إلى الإسلام [4]؛ ولم تكن هذة المرة الأخيرة التي يذهب فيها علي إلى اليمن حيث ولاه محمد قضاء اليمن لما عرف عنه من عدل وحكمة في القضاء، فنصحه ودعا له، ثم أرسله إلى هناك سنة 8 هـ ومكث به عام واحد [49][50]. كما ساهم في فض النزاعات وتسوية الصراعات بين بعض القبائل[2]. ورد في الكامل أنه عند فتح مكة أراد سعد بن عبادة دخول مكة مقاتلاً عكس ما أمر به محمد حيث أنه أراد دخول مكة بلا قتال، فحين سمع محمد ذلك أرسل علي خلف سعد فلحقه وأخذ الراية منه ودخل بها مكة، بعدها أمره محمد بكسر الأصنام التي كانت حول الكعبة .
غزواته مع النبي :-
شهد علي جميع المعارك معه إلا غزوة تبوك خلفه فيها على المدينة وعلى عياله بعده وقال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي "، وسلم له الراية في الكثير من المعارك [4][18]. عرف علي بن أبي طالب ببراعته وقوته في القتال، وقد تجلى هذا في غزوات الرسول؛ ففي غزوة بدر، هزم علي الوليد بن عتبة، وقتل ما يزيد عن 20 من الوثنيين [52]. وغزوة أحد قتل طلحة بن عبد العزى حامل لواء قريش في المعركة، وأرسله محمد إلى فدك فأخذها في سنة 6 هـ[53]. وفي غزوة الأحزاب قتل عمرو بن ود العامري أحد فرسان العرب وفي غزوة خيبر، هزم فارس اليهود مرحب، وبعد أن عجز جيش المسلمين مرتين عن اقتحام حصن اليهود، قال محمد: «لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويفتح عليه» فأعطاها لعلي ليقود الجيش، وفتح الحصن وتحقق النصر للمسلمين [54][55]. وقيل إنه اقتحم حصن خيبر متخذاّ الباب درعا له لشدة قوته في القتال. وكان ممن ثبت مع محمد في غزوة حنين [40]. وكان لعلي سيف شهير أعطاه له محمد في غزوة أحد عرف باسم ذو الفقار [43] كما أهداه محمد درعا عرفت بالحطمية ويقال أنها سميت بهذا الاسم لكثرة السيوف التي تحطمت عليها.
خلافته :-
لما قتل عثمان، بويع علي بن أبي طالب للخلافة بالمدينة المنورة في اليوم التالي لقتل عثمان (يوم الجمعة 25 ذي الحجة، 35 هـ [114]) فبايعه جميع من كان في المدينة من الصحابة والتابعين والثوار. يروى إنه كان كارها للخلافة في البداية واقترح أن يكون وزيرا أو مستشارا إلا أن بعض الصحابة حاولوا إقناعه فضلا عن تأييد الثوار له [115][116]، ويروي ابن خلدون والطبري أنه قبل خشية حدوث شقاق بين المسلمين [114][117]. يروى أن أول من بايع كان طلحة والزبير وفي تاريخ الطبري أول من بايع مالك الأشتر النخعي، وتقول بعض المصادر أن أقارب عثمان والأمويين لم يبايعوا علي وتوجهوا إلى الشام، كما تقول أن بعض الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وغيرهم لم يبايعوا بالولاء ولكن تعهدوا بعدم الانقلاب ضده [118][119][120]. وحول صلاته على عثمان يختلف المؤرخون أيضا فتذكر بعض المصادر التاريخية أن جماعة من الصحابة استأذنوا عليا لدفنه ولكن من المؤرخين من ذكره ضمن من شاركوا في تشييعه والصلاة عليه ومراسم دفنه ولكن البعض الآخر لم يذكره ضمنهم بل حتى أن بعض الروايات لا تذكر استئذان علي في دفنه.[121]
وهكذا استلم علي الحكم خلفا لعثمان، في وقت كانت الدولة الإسلامية حين إذ تمتد من المرتفعات الإيرانية شرقا إلى مصر غربا بالإضافة لشبه الجزيرة العربية بالكامل وبعض المناطق غير المستقرة على الأطراف. ومنذ اللحظة الأولى في خلافته أعلن علي أنه سيطبق مبادئ الإسلام وترسيخ العدل والمساواة بين الجميع بلا تفضيل أو تمييز، كما صرح بأنه سيسترجع كل الأموال التي اقتطعها عثمان لأقاربه والمقربين له من بيت المال [120]. في سنة 36 هـ أمر علي بعزل الولاة الذين عينهم عثمان وتعيين ولاة آخرين يثق بهم، مخالفا بذلك نصيحة بعض الصحابة مثل ابن عباس والمغيرة بن شعبة الذين نصحوه بالتروي في اتخاذ القرار [117]. أرسل علي عثمان بن حنيف الأنصاري بدلاً عن عبد الله بن عامر إلى البصرة بحسب الطبري وابن الأثير، وفي البداية والنهاية أنه أرسل سمرة بن جندب، وعلى الكوفة أرسل عمارة بن شهاب بدلاً عن أبي موسى الأشعري، وعلى اليمن عبيد الله بن عباس بدلاً عن يعلى بن منبه، وعلى مصر قيس بن سعد بن عبادة وبدلاً عن عبد الله بن سعد، وعلى الشام سهل بن حنيف بدلاً من معاوية بن أبي سفيان [120][122].
بعد استلامه الحكم ببضعة أشهر، وقعت معركة الجمل (36 هـ) التي كان خصومه فيها طلحة والزبير ومعهما عائشة بنت أبي بكر زوجة محمد الذين طالبوا بالقصاص من قتلة عثمان، رغم تشكيك البعض في مصداقية هذا الادعاء حيث تقول روايات أنهما حرضا على قتله، لذلك يعتقد البعض أن أغراضهما من وراء مقاتلة علي هو تحقيق أطماع سياسية، خاصة مع ادعائهما المبايعة مكرهين وهروبهما إلى مكة، بالإضافة إلى تصريح أسامة بن زيد بأنهما بايعا كارهين، ويقال كذلك لأن عليا رفض توليتهما البصرة والكوفة، حيث طلبا منه الولاية لكنه أبقاهما معه كمستشارين. بعدها طلبوا السماح لهم بالذهاب إلى مكة لآداء العمرة فسمح لهما وحين ذهبا التقيا عائشة وقرروا المسير إلى البصرة رافعين شعار الانتقام لعثمان [117][123]، فسارو من مكة إلى البصرة بعشرة آلاف مقاتل وتحرك إليهم علي ولقيهم على مشارف البصرة، وفي البداية والنهاية (7/260) يذكر ابن كثير أنهم انطلقوا إلى البصرة وكان علي بالمدينة عازما على الذهاب إلى الشام لقتال معاوية، فغير وجهته إلى البصرة واستخلف على المدينة تمام بن عباس وعلى مكة قثم بن عباس، وحين وصل أرسل عمار بن ياسر إلى أهل الكوفة يستنفرونهم للقتال فانضم منهم الكثير إلى جيش علي وفقا للطبري. تختلف الروايات حول وقائع المعركة لكنها انتهت بمقتل طلحة والزبير وانتصار علي، وعودة عائشة إلى المدينة. وحول سبب عدم قيام علي بالاقتصاص من قتله عثمان فالبعض يرى أنه كان صعب لاختلاط القتلة بجيش ومؤيدي علي الذي لم يكن لديه ما يكفي من القوة والسيطرة الكافية لتطبيق الحد فانتظر حتى تهدأ الفتنة وهذا ما قاله علي لطلحة والزبير في بعض الروايات. قام علي بعد معركة الجمل بنقل عاصمة الخلافة من المدينة إلى الكوفة نظرا لموقعها الاستراتيجي الذي يتوسط أراضي الدولة الإسلامية آن ذاك، ولكثرة مؤيديه هناك [124].
كان معاوية بن أبي سفيان -والي الشام في عهد عثمان- قد أعلن رفضه تنفيذ قرار العزل [51]، كما امتنع عن تقديم البيعة لعلي، وطالب بالثأر لابن عمه عثمان [120]، ويشكك أيضا الكثيرين في أهداف معاوية المعلنة حيث يرون معارضته كانت لأطماع سياسية [125]. حين انتهى علي من معركة الجمل توجه إلى الكوفة فدخلها في الثاني عشر من رجب 36هـ ثم أرسل جرير بن عبد الله إلى معاوية يدعوه للمبايعة والطاعة لكن معاوية رفض المبايعة إلا بعد الاقتصاص من قتلة عثمان [126]. عاد الرسول إلى علي برفض معاوية، فتوجه علي بجيشه إلى الشام وعسكر الجيشان حين التقيا بموقع يسمى صفين، ثم بدأت مفاوضات بين الطرفين عبر الرسائل، واستمرت لمدة مائة يوم لكنها لم تأتي بنتيجة، فبدأت مناوشات بين الجيشين أسفرت عن قتال استمر لمدة أسبوع فيما يعرف بمعركة صفين (36 - 37هـ / 657م). بدا جيش علي على مشارف الانتصار وجيش معاوية على وشك الهزيمة، فاقترح عمرو بن العاص -وكان في جيش معاوية- عمل حيلة وهي أن يقوم الجنود برفع المصاحف على أسنة الرماح، مطالبين بالتحكيم وفقا للشريعة الإسلامية. يقول ابن خلدون أن عليا حذر المسلمين من الخديعة إلا أن جماعة ممن صاروا فيما بعد من الخوارج أصروا على القبول بالتحكيم وهددوه بالقتل ووافق بعد إلحاح منهم، وعندما أرادوا حكما اختاروا أبي موسى الأشعري لكن علي رفضه لعدم ثقته به وتخليه عنه فيما سبق ورشح الأشتر النخعي إلا أنهم رفضوه واستقر الأمر على الأشعري، رفض جنود علي من الخوارج التحكيم معتبرين أن معاوية كافر بخروجه عن طاعة اخليفة الشرعي وبهذا يجب قتله، واعتبروا التحكيم خروج عن حكم الله والاحتكام بحكم البشر -رغم أن تأكيد بعض المؤرخين على أنهم من رشحوه- فذهبوا لعلي يستتيبوه ويحثوه على قتال معاوية ونقض اتفاق التحكيم لكنه رفض، مما أدى إلى انسحاب الخوارج من جيش علي. وأورد ابن كثير في البداية والنهاية (7/301) رواية تقول أن علي وافق على التحكيم وعارضه بعض الناس. في هذة الأثناء اختار معاوية عمرو بن العاص حكما من طرفه، واجتمع الحكمان لإيجاد حل للنزاع، فدار بينهما جدال طويل، واتفقا في النهاية على خلع معاوية وعلي وترك الأمر للمسلمين لاختيار الخليفة. خرج الحكمان للناس لإعلان النتيجة التي توصلا إليها، فأعلن أبي موسى الأشعري خلع علي ومعاوية، لكن عمرو بن العاص أعلن خلع علي وتثبيت معاوية.[117][127] بعد حادثة التحكيم عاد القتال من جديد واستطاع معاوية أن يحقق بعض الانتصارات وضم عمرو بن العاص مصر بالإضافة إلى الشام وقتل واليها محمد بن أبي بكر.
وأخيرا قاتل علي الخوارج وهزمهم في معركة النهروان (39هـ / 659م)،، حيث انسحبوا من جيشه ثم قاموا يقطعون الطرق ويسألون الناس حول ارائهم في الخلفاء الأربعة فيقتلون من يخالفهم في الرأي بشكل بشع.[128][129]
ورغم أن علي لم يقم بأي فتوحات طوال فترة حكمه إلا أنها اتصفت بالكثير من المنجزات المدنية والحضارية منها تنظيم الشرطة وإنشاء مراكز متخصصة لخدمة العامة كدار المظالم ومربد الضوال وبناء السجون [130][131]، وكان يدير حكمه انطلاقا من دار الإمارة، كما ازدهرت الكوفة في عهده وبنيت بها مدارس الفقه والنحو وقد أمر الإمام علي بن أبي طالب أبا الأسود الدؤلي بتشكيل حروف القرآن لأول مرة [132][133]، ويعتقد بعض الباحثين أنه أول من سك الدرهم الإسلامي الخالص [134] مخالفين بهذا المصادر التاريخية الأخرى التي تقول أن عبد الملك بن مروان هو أول من ضرب الدراهم الإسلامية الخالصة.[135] في عهده أيضا نشط عبد الله بن سبأ وأتباعه الذين عرفوا بالسبئية والتي يعتقد البعض أنهم أصل حركة التشيع، والبعض الآخر يقول أنهم أول من قال بتأليه أئمة الشيعة، وآخرون يشككون في وجود السبئية من الأساس. يروى أن علي بن أبي جمعهم وأمر بحفر الأخاديد وأضرم فيها النيران وأعدمهم بالحرق ولم يبقى منهم إلا القليل.[136]
يعتبر العديد من الكتاب الباحثين أن علي لم يكن رجل سياسي ناجح أو لم يتمتع بالمرونة السياسية المناسبة [51]. قال عنه ويلفرد مادلونغ أنه كان متمسك بتعاليم دينه بشدة وغير مستعد للتنازل عن مبادئه من أجل المنفعة السياسية.
إغتياله :-
كان علي يؤم المسلمين بصلاة الفجر في مسجد الكوفة، وأثناء الصلاة ضربه عبد الرحمن بن ملجم بسيف مسموم على رأسه، وقال جملته الشهيرة: "فزت ورب الكعبة" [138][139][140]، وتقول بعض الروايات أن علي بن أبي طالب كان في الطريق إلى المسجد حين قتله بن ملجم [141][142]؛ ثم حمل على الأكتاف إلى بيته وقال: «أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفس بالنفس، إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي» ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه. وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم علي بأنه ميت قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين. ظل السم يسري بجسده إلى أن توفي بعدها بثلاثة أيام، تحديدا ليلة 21 رمضان سنة 40 هـ عن عمر يناهز 64 حسب بعض الأقوال [141]. وبعد مماته تولى عبد الله بن جعفر والحسن والحسين غسل علي بن أبي طالب وتجهيزه ودفنه، ثم اقتصوا من بن ملجم بقتله [143]. ولقب الشيعة علي بن أبي طالب بعدها بشهيد المحراب.[138]
وعبدالرحمن بن ملجم أحد الخوارج كان قد نقع سيفه بسم زعاف لتلك المهمة. ويُروى أن ابن ملجم كان اتفق مع اثنين من الخوارج على قتل كل من معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب يوم 17 رمضان، فنجح بن ملجم في قتل علي وفشل الآخران.[141][142]
تذكر العديد من كتب الحديث النبوي وكتب التاريخ أن محمد قد تنبأ بمقتل علي، وتعددت رواياتهم حول ذلك ومنها:«يا علي أبكي لما يُسْتَحَلُّ منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تريد أن تُصلِّي وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة صالح، يضربك ضربة على رأسك فيخضب بها لحيتك»[144][145].
المسجد الأزرق بمزار شريف، أفغانستان
وفقا للشيخ المفيد فإن علي بن أبي طالب طلب من ابنه الحسن أن يدفنه سرا وألا يعرف أحد مكان دفنه، لكي لا يتعرض قبره للتدنيس من قبل أعدائه. وظل مدفن علي مجهولا إلى أن أفصح عن مكانه جعفر الصادق في وقت لاحق خلال الخلافة العباسية. وبحسب الرواية الأكثر قبولا عند الشيعة فإن علي بن أبي طالب دفن في النجف حيث بني مشهد ومسجد الإمام علي الموجود حتى الآن [146]. ويعتقد بعض من المسلمين خاصة في أفغانستان أن جسد علي بن أبي طالب مدفون بالمسجد الأزرق بمدينة مزار شريف الأفغانية؛ مستندين إلى روايات تقول أن أبا مسلم الخراساني قام بنقل جثمان علي سرا بمساعدة بعض فرسانه إلى تل حمران بقرية بلخ شمال أفغانستان، حتى جاء السلطان حسين بيقرة فبني المرقد الحالي في ذلك المكان عام 1480 حسب الروايات الأفغانية.[147][148
ملاحظة الموضوع مختصر للحصول على الموضوع كاملا تفضل بزيارة هذا الرابط:
علي بن ابي طالب
ولد في مكة وتشير بعض مصادر التاريخ بأن ولادته كانت في جوف الكعبة [1] وكافله حين توفي والديه وجده، وأُمّه فاطمة بنت أسد الهاشميّة. أسلم قبل الهجرة النبويّة، وهو ثاني أو ثالث الناس دخولا في الإسلام، وأوّل من أسلم من الصبيان. هاجر إلى المدينة المنوّرة بعد هجرة محمد بثلاثة أيّام وآخاه محمد مع نفسه حين آخى بين المسلمين، وزوجه ابنته فاطمة بنت محمد في السنة الثانية من الهجرة.
شارك علي في كل غزوات الرسول عدا غزوة تبوك حيث خلّفه فيها محمد على المدينة. وعُرف بشدّته وبراعته في القتال فكان عاملاً مهماً في نصر المسلمين في مختلف المعارك. لقد كان علي موضع ثقة محمد فكان أحد كتاب الوحي وأحد أهم سفرائه ووزرائه.
تعد مكانة علي بن أبي طالب وعلاقته بأصحاب محمد موضع خلاف تاريخي وعقائدي بين الفرق الإسلامية المختلفة، فيرى بعضهم أن الله اختاره وصيّاً وإماماً وخليفةً للمسلمين، وأنّ محمداً قد أعلن ذلك في ما يعرف بخطبة الغدير، لذا اعتبروا أنّ اختيار أبي بكر لخلافة المسلمين كان مخالفاً لتعاليم النبي محمد، كما يرون أنّ علاقة بعض الصحابة به كانت متوتّرة. وعلى العكس من ذلك ينكر بعضهم حدوث مثل هذا التنصيب، ويرون أنّ علاقة أصحاب محمد به كانت جيدة ومستقرّة. ويُعدّ اختلاف الاعتقاد حول علي هو السبب الأصلي للنزاع بين السنة والشيعة على مدى العصور.
بويع بالخلافة سنة 35 هـ (656 م) بالمدينة المنورة، وحكم خمس سنوات وثلاث أشهر وصفت بعدم الاستقرار السياسي، لكنها تميزت بتقدم حضاري ملموس خاصة في عاصمة الخلافة الجديدة الكوفة. وقعت الكثير من المعارك بسبب الفتن التي تعد امتدادا لفتنة مقتل عثمان، مما أدى لتشتت صف المسلمين وانقسامهم لشيعة علي الخليفة الشرعي، وشيعة عثمان المطالبين بدمه على رأسهم معاوية بن أبي سفيان الذي قاتله في صفين، وعائشة بنت أبي بكر ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام الذين قاتلوه في يوم الجمل؛ كما خرج على علي جماعة عرفوا بالخوارج وهزمهم في النهروان، وظهرت جماعات تعاديه سموا بالنواصب. وقتل على يد عبد الرحمن بن ملجم في رمضان سنة 40 هـ 661 م.
اشتهر علي عند المسلمين بالفصاحة والحكمة، فينسب له الكثير من الأشعار والأقوال المأثورة. كما يُعدّ رمزاً للشجاعة والقوّة ويتّصف بالعدل والزُهد حسب الروايات الواردة في كتب الحديث والتاريخ. كما يُعتبر من أكبر علماء الدين في عصره علماً وفقهاً إنْ لم يكن أكبرهم على الإطلاق كما يعتقد الشيعة وبعض السنة والصوفيّة.
ميلاده ونشأته :-
لا يعرف يقينا متى ولد علي بن أبي طالب، لكن بحسب بعض مصادر التراث مثل ما ورد في العمدة:24 فإنه ولد بمكة يوم الجمعة الثالث عشر من رجب بعد ثلاثين عاما من عام الفيل، أي الموافق 17 مارس 599 م أو 600 وفقا للموسوعة البريطانية [2] وتقول مصادر أخرى 23 أكتوبر 598 م أو 600 م [3]. وهو أصغر ولد أبوه أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم أحد سادات قريش والمسئول عن السقاية فيها. ويرجع نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم أحد أنبياء الإسلام. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، قيل أنها أول هاشمية تلد لهاشمي، [4] وكان والدا علي قد كفلا محمدًا حين توفي والديه وجده وهو صغير فتربى ونشأ في بيتهما.
الكعبة، حيث ولد علي بن أبي طالب وفقا لبعض الروايات.
تضاربت الروايات بأن عليا بن أبي طالب ولد داخل الكعبة، حيث يؤكد رجال دين شيعة أنه المولود الوحيد داخل الكعبة وفقا لروايات تقول أن موضع بأحد جدران الكعبة يسمى المستجار قبل الركن اليماني قد انشق لفاطمة بنت أسد حين ضربها الطلق فدخلت الكعبة وولدت علي؛ وروايات أخرى تقول أن أبو طالب فتح لها باب الكعبة فدخلتها وولدت علي بداخلها [5][6][7]. وذكر ذلك في بعض المصادر السنية منها المستدرك للحاكم فجاء فيه: «تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه في جوف الكعبة» [8]، وورد هذا الخبر في مواضع أخرى من كتب السنة والشيعة [9]. بينما ينكر علماء الدين والمؤرخين السنة هذه الروايات الشيعية، حيث ضعف السيوطي سند رواية الحاكم [10]، وضعفها صاحب تهذيب الأسماء [11]، والثابت عند اهل السنة هو أن حكيما بن حزام هو الذي ولد في جوف الكعبة كما أورد ذلك الحاكم والذهبي وابن حجر وغيرهم [12]. تذكر بعض المصادر أن فاطمة أرادت أن تسميه أسدا أو حيدرة تيمنا بأبيها، بينما أراد أبو طالب أن يسميه زيدا، لكن محمد سماه علي [13]، وفي مصادر أخرى أن أمه جائها هاتف يأمرها بتسميته علي [14]، وروي أيضا أن والده وجد لوح مكتوب عليه أبيات من الشعر في مدح ابنه وتسميه علي [15].
حين كان علي ما بين الخامسة والسادسة من عمره مرت بمكة سنين عسرة وضيق أثّرت على الأحوال الاقتصادية في مكة وما حولها، وكان لأبي طالب ثلاثة أبناء: علي وعقيل وجعفر، فذهب إليه محمد وعمه العباس بن عبد المطلب وعرضا عليه أن يأخذ كل منهما ولدا من أبنائه يربيه ويكفله تخفيفا للعبء عليه، فأخذ العباس جعفر وأخذ محمد عليا، فتربى في بيته وكان ملازما له أينما ذهب [2][16][17]، وتذكر بعض المصادر أنه كان يذهب معه إلى غار حراء للتعبد والصلاة [16][18][19]، كما يُذكر أنه كان قبل الإسلام حنفيا ولم يسجد لصنم قط طيلة حياته، ولهذا يقول بعض المسلمون "كرم الله وجهه" بعد ذكر اسمه، وقيل لأنه لم ينظر لعورة أحد قط
إسلامه :-
أسلم علي وهو صغير، بعد أن عرض النبي محمد الإسلام على أقاربه من بني هاشم تنفيذا لما جاء في القرآن [21]. وقد ورد في بعض المصادر أن محمدا قد جمع أهله وأقاربه على وليمة وعرض عليهم الإسلام، وقال أن من يؤمن به سيكون وليه ووصيه وخليفته من بعده، فلم يجبه أحد إلا علي. سمي هذا الحديث "حديث يوم الدار" أو "إنذار يوم الدار" أو "حديث دعوة العشيرة" [22]، وقد ذكر في العديد من الكتب بروايات مختلفة منها ما أورده الطبري في تاريخه 2 ص 216 :
لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنذر عشيرتك الأقربين "، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا عليُّ، إنَّ الله أمَرَنِي أنْ أُنْذِرْ عَشِيرَتِي الأقْرَبِ، فضقت بذلك ذرعا، وعرفت أنى متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ حتى جاء جبرئيل فقال: يا محمد، إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عسا من لبن؛ ثم اجمع لي بنى عبد المطلب حتى أكلمهم، وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به. ثد دعوتهم له؛ وهم يومئذ أربعون رجلا، يزيدون رجلا أو ينقصونه؛ فيهم أعمامه:أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب؛ فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم حذية من اللحم، فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصفحة. ثم قال: خذوا بسم الله، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة وما أرى إلا موضع أيديهم، وايم الله الذي نفس علي بيده؛ وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم. ثم قال: اسق القوم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا منه حتى رووا منه جميعا، وايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام، فقال: لهدما سحركم صاحبكم ! فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الغد يا علي؛ إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم اجمعهم لي. قال: ففعلت، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى مالهم بشيء حاجة. ثم قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعا، ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا بنى عبد المطلب؛ إنى والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به؛ إنى قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيتي وخلفتي فيكم ؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت: وإنى لأحدثهم سنا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا؛ أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي ووصى ووخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.[23][24]
و في رواية أخرى حول إسلام علي ذكر ابن الأثير في أسد الغابة:
عن ابن إسحاق قال: ثم إن علي بن أبي طالب جاء بعد ذلك اليوم- يعني بعد إسلام خديجة وصلاتها معه- قال: فوجدهما يصليان، فقال علي: يا محمد، ما هذا? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دين الله الذي اصطفى لنفسه، وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وإلى عبادته وكفر باللات والعزى".فقال له علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمراً حتى أحدث أبا طالب. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: يا عليّ، إن لم تسلم فاكتم. فمكث عليّ تلك الليلة، ثم إن الله أوقع في قلب عليّ الإسلام، فأصبح غادياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فقال: ماذا عرضت عليّ يا محمد? فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد". ففعل عليّ وأسلم، ومكث عليّ يأتيه سراً خوفاً من أبي طالب، وكتم عليّ إسلامه
وفي رواية عن أنس بن مالك: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء» [18][25].
وبهذا أصبح علي أول من أسلم من الصبيان، وذهب البعض مثل ابن اسحاق لأنه أول الذكور إسلاما، وإن اعتبر آخرون من أهل السنة مثل الطبري أن أبا بكر هو أول الذكور إسلاما مستندين إلى روايات تقول أن عليا لم يكن راشدا حين أسلم [26]، فالروايات تشير لأن عمره حين أسلم يتراوح بين تسعة أعوام وثمانية عشر عام [4][27]؛ وفي رواية أوردها الذهبي في تاريخه: «أول رجلين أسلما أبو بكر وعلي وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه» [28]. كما كان علي أول من صلى مع محمد وزوجته خديجة بعد الإسلام [29] في حين نقل ابن سعد رواية يقول فيها علي أنه أول من أسلم.[27]
لم يهاجر علي إلى الحبشة في الهجرة الأولى حين سمح رسول الإسلام لبعض من آمن به بالهجرة إلى هناك هرباً من اضطهاد قريش. وقاسى معه مقاطعة قريش لبني هاشم وحصارهم في شعب أبي طالب [30]. كما رافق محمدا في ذهابه للطائف لنشر دعوته هناك بعد أن حين اشتد ايذاء قريش له [31]. مكث علي مع محمد في مكة حتى هاجر إلى المدينة.
ليلة الهجرة النبيوية :-
في اليوم الذي عزم فيه محمد على الهجرة إلى يثرب، اجتمع سادات قريش بدار الندوة واتفقوا على قتله، فجمعوا من كل قبيلة شاب قوي وأمروهم بانتظاره أمام باب بيته ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل. حسب اعتقاد المسلمين جاء المَلَك جبريل إلى محمد وحذره من تآمر القريشيين لقتله، فطلب محمد من علي بن أبي طالب أن يبيت في فراشه بدلا منه ويتغطى ببرده الأخضر ليظن الناس أن النائم هو محمد وبهذا غطي على هجرة النبي وأحبط مؤامرة أهل قريش [32]. ،وفي بعض الروايات انه سأل اصحابه من يبيت على فراشه فلم يجبه الا علي ثلاثاً[33] ويعتبر علي أول فدائي في الإسلام بموقفه في تلك الليلة التي عرفت فيما بعد "بليلة المبيت"؛ ويروى بعض المفسرين الشيعة في تفسير الآية القرآنية: ﴿ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله﴾ أنها نزلت في علي بن أبي طالب حين نام في فراش الرسول [34][35]. كان محمدا قد أمره أن يؤدي الأمانات إلى أهلها ففعل، حيث كان أهل قريش يضعون أماناتهم عند محمد. وكانوا في مكة يعلمون أن عليا يتبع محمدا أينما ذهب، لذا فإن بقاءه في مكة بمثابة تمويه لجعل الناس يشكون في هجرة النبي لاعتقادهم بأنه لو هاجر لأخذ عليا معه. بقي علي في مكة ثلاثة أيام حتى وصلته رسالة محمد عبر رسوله أبي واقد الليثي يأمره فيها بالهجرة للمدينة.[36][37]
حياته في المدينة :-
هجرته :-
خرج علي للهجرة إلى المدينة وهو في الثانية والعشرين من عمره، وحسب رواية ابن الأثير في أسد الغابة فقد خرج علي وحيدا يمشي الليل ويكمن النهار [18][38]. بينما تذكر مصادر أخرى أنه اصطحب ركب من النساء هم أمه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت محمد وفاطمة بنت الزبير وزاد البعص فاطمة بنت حمزة بنت عبدالمطلب بن عبد المطلب أو ما سمي بركب الفواطم. ولم تمض غير أيام قليلة حتى وصل علي إلى قباء حيث انتظره محمد بها ورفض الرحيل قبل أن يصل علي الذي كان قد أنهكه السفر وتورمت قدماه حتى نزف منهما الدم. وبعد وصوله بيومين نزل علي مع محمد إلى المدينة [36][37]. حين وصل محمد إلى المدينة قام بما عرف بمؤاخاة المهاجرين والأنصار، لكنه آخى بين علي وبين نفسه وقال له: «أنت أخي في الدنيا والآخرة»[39][40].
زواجه :-
في شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة زوجه محمد ابنته فاطمة ولم يتزوج بأخرى في حياتها، وقد روي أن تزويج فاطمة من علي كان بأمر من الله، حيث توالى الصحابة على محمد لخطبتها إلا إنه ردهم جميعا حتى أتى الأمر بتزويج فاطمة من علي [41]، فأصدقها علي درعه الحطمية ويقال أنه باع بعيرا له وأصدقها ثمنه الذي بلغ 480 درهم على أغلب الأقوال [42]. وأنجب منها الحسن والحسين في السنتين الثالثة والرابعة من الهجرة على التوالي [43]، كما أنجب زينب بنت علي وأم كلثوم بنت علي والمحسن بن علي، والأخير حوله خلاف تاريخي حيث يروى أنه قتل وهو جنين يوم حرق الدار، وفي روايات أخرى أنه ولد ومات في حياة النبي، في حين ينكر بعض السنة وجوده من الأساس. في أكثر من مناسبة صرح محمد أن علي وفاطمة والحسن والحسين هم أهل بيته مثلما في حديث المباهلة وحديث الكساء [44]، ويروى أنه كان يمر بدار علي لإيقاظهم لآداء صلاة الفجر ويتلو آية التطهير.
أعماله في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم :-
كان عليا موضع ثقة محمد، فكان أحد كتاب القرآن أو كتاب الوحي الذين يدونون القرآن في حياة النبي محمد. وكان أحد سفرائه الذين يحملون الرسائل ويدعون القبائل للإسلام، واستشاره محمد في الكثير من الأمور مثلما استشاره في ما يعرف بحادثة الإفك [43]. شهد بيعة الرضوان وأمره محمد حينها بتدوين وثيقة صلح الحديبية وأشهده عليه [47][48]. يروى في الاستيعاب أن محمد بعث خالد بن الوليد إلى اليمن ليدعوهم فبقي هناك ستة أشهر فلم يجبه أحد فبعث محمد بعلي إلى اليمن فأسلمت على يديه همدان كلها، وتتابع بعدها أهل اليمن في الدخول إلى الإسلام [4]؛ ولم تكن هذة المرة الأخيرة التي يذهب فيها علي إلى اليمن حيث ولاه محمد قضاء اليمن لما عرف عنه من عدل وحكمة في القضاء، فنصحه ودعا له، ثم أرسله إلى هناك سنة 8 هـ ومكث به عام واحد [49][50]. كما ساهم في فض النزاعات وتسوية الصراعات بين بعض القبائل[2]. ورد في الكامل أنه عند فتح مكة أراد سعد بن عبادة دخول مكة مقاتلاً عكس ما أمر به محمد حيث أنه أراد دخول مكة بلا قتال، فحين سمع محمد ذلك أرسل علي خلف سعد فلحقه وأخذ الراية منه ودخل بها مكة، بعدها أمره محمد بكسر الأصنام التي كانت حول الكعبة .
غزواته مع النبي :-
شهد علي جميع المعارك معه إلا غزوة تبوك خلفه فيها على المدينة وعلى عياله بعده وقال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي "، وسلم له الراية في الكثير من المعارك [4][18]. عرف علي بن أبي طالب ببراعته وقوته في القتال، وقد تجلى هذا في غزوات الرسول؛ ففي غزوة بدر، هزم علي الوليد بن عتبة، وقتل ما يزيد عن 20 من الوثنيين [52]. وغزوة أحد قتل طلحة بن عبد العزى حامل لواء قريش في المعركة، وأرسله محمد إلى فدك فأخذها في سنة 6 هـ[53]. وفي غزوة الأحزاب قتل عمرو بن ود العامري أحد فرسان العرب وفي غزوة خيبر، هزم فارس اليهود مرحب، وبعد أن عجز جيش المسلمين مرتين عن اقتحام حصن اليهود، قال محمد: «لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويفتح عليه» فأعطاها لعلي ليقود الجيش، وفتح الحصن وتحقق النصر للمسلمين [54][55]. وقيل إنه اقتحم حصن خيبر متخذاّ الباب درعا له لشدة قوته في القتال. وكان ممن ثبت مع محمد في غزوة حنين [40]. وكان لعلي سيف شهير أعطاه له محمد في غزوة أحد عرف باسم ذو الفقار [43] كما أهداه محمد درعا عرفت بالحطمية ويقال أنها سميت بهذا الاسم لكثرة السيوف التي تحطمت عليها.
خلافته :-
لما قتل عثمان، بويع علي بن أبي طالب للخلافة بالمدينة المنورة في اليوم التالي لقتل عثمان (يوم الجمعة 25 ذي الحجة، 35 هـ [114]) فبايعه جميع من كان في المدينة من الصحابة والتابعين والثوار. يروى إنه كان كارها للخلافة في البداية واقترح أن يكون وزيرا أو مستشارا إلا أن بعض الصحابة حاولوا إقناعه فضلا عن تأييد الثوار له [115][116]، ويروي ابن خلدون والطبري أنه قبل خشية حدوث شقاق بين المسلمين [114][117]. يروى أن أول من بايع كان طلحة والزبير وفي تاريخ الطبري أول من بايع مالك الأشتر النخعي، وتقول بعض المصادر أن أقارب عثمان والأمويين لم يبايعوا علي وتوجهوا إلى الشام، كما تقول أن بعض الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وغيرهم لم يبايعوا بالولاء ولكن تعهدوا بعدم الانقلاب ضده [118][119][120]. وحول صلاته على عثمان يختلف المؤرخون أيضا فتذكر بعض المصادر التاريخية أن جماعة من الصحابة استأذنوا عليا لدفنه ولكن من المؤرخين من ذكره ضمن من شاركوا في تشييعه والصلاة عليه ومراسم دفنه ولكن البعض الآخر لم يذكره ضمنهم بل حتى أن بعض الروايات لا تذكر استئذان علي في دفنه.[121]
وهكذا استلم علي الحكم خلفا لعثمان، في وقت كانت الدولة الإسلامية حين إذ تمتد من المرتفعات الإيرانية شرقا إلى مصر غربا بالإضافة لشبه الجزيرة العربية بالكامل وبعض المناطق غير المستقرة على الأطراف. ومنذ اللحظة الأولى في خلافته أعلن علي أنه سيطبق مبادئ الإسلام وترسيخ العدل والمساواة بين الجميع بلا تفضيل أو تمييز، كما صرح بأنه سيسترجع كل الأموال التي اقتطعها عثمان لأقاربه والمقربين له من بيت المال [120]. في سنة 36 هـ أمر علي بعزل الولاة الذين عينهم عثمان وتعيين ولاة آخرين يثق بهم، مخالفا بذلك نصيحة بعض الصحابة مثل ابن عباس والمغيرة بن شعبة الذين نصحوه بالتروي في اتخاذ القرار [117]. أرسل علي عثمان بن حنيف الأنصاري بدلاً عن عبد الله بن عامر إلى البصرة بحسب الطبري وابن الأثير، وفي البداية والنهاية أنه أرسل سمرة بن جندب، وعلى الكوفة أرسل عمارة بن شهاب بدلاً عن أبي موسى الأشعري، وعلى اليمن عبيد الله بن عباس بدلاً عن يعلى بن منبه، وعلى مصر قيس بن سعد بن عبادة وبدلاً عن عبد الله بن سعد، وعلى الشام سهل بن حنيف بدلاً من معاوية بن أبي سفيان [120][122].
بعد استلامه الحكم ببضعة أشهر، وقعت معركة الجمل (36 هـ) التي كان خصومه فيها طلحة والزبير ومعهما عائشة بنت أبي بكر زوجة محمد الذين طالبوا بالقصاص من قتلة عثمان، رغم تشكيك البعض في مصداقية هذا الادعاء حيث تقول روايات أنهما حرضا على قتله، لذلك يعتقد البعض أن أغراضهما من وراء مقاتلة علي هو تحقيق أطماع سياسية، خاصة مع ادعائهما المبايعة مكرهين وهروبهما إلى مكة، بالإضافة إلى تصريح أسامة بن زيد بأنهما بايعا كارهين، ويقال كذلك لأن عليا رفض توليتهما البصرة والكوفة، حيث طلبا منه الولاية لكنه أبقاهما معه كمستشارين. بعدها طلبوا السماح لهم بالذهاب إلى مكة لآداء العمرة فسمح لهما وحين ذهبا التقيا عائشة وقرروا المسير إلى البصرة رافعين شعار الانتقام لعثمان [117][123]، فسارو من مكة إلى البصرة بعشرة آلاف مقاتل وتحرك إليهم علي ولقيهم على مشارف البصرة، وفي البداية والنهاية (7/260) يذكر ابن كثير أنهم انطلقوا إلى البصرة وكان علي بالمدينة عازما على الذهاب إلى الشام لقتال معاوية، فغير وجهته إلى البصرة واستخلف على المدينة تمام بن عباس وعلى مكة قثم بن عباس، وحين وصل أرسل عمار بن ياسر إلى أهل الكوفة يستنفرونهم للقتال فانضم منهم الكثير إلى جيش علي وفقا للطبري. تختلف الروايات حول وقائع المعركة لكنها انتهت بمقتل طلحة والزبير وانتصار علي، وعودة عائشة إلى المدينة. وحول سبب عدم قيام علي بالاقتصاص من قتله عثمان فالبعض يرى أنه كان صعب لاختلاط القتلة بجيش ومؤيدي علي الذي لم يكن لديه ما يكفي من القوة والسيطرة الكافية لتطبيق الحد فانتظر حتى تهدأ الفتنة وهذا ما قاله علي لطلحة والزبير في بعض الروايات. قام علي بعد معركة الجمل بنقل عاصمة الخلافة من المدينة إلى الكوفة نظرا لموقعها الاستراتيجي الذي يتوسط أراضي الدولة الإسلامية آن ذاك، ولكثرة مؤيديه هناك [124].
كان معاوية بن أبي سفيان -والي الشام في عهد عثمان- قد أعلن رفضه تنفيذ قرار العزل [51]، كما امتنع عن تقديم البيعة لعلي، وطالب بالثأر لابن عمه عثمان [120]، ويشكك أيضا الكثيرين في أهداف معاوية المعلنة حيث يرون معارضته كانت لأطماع سياسية [125]. حين انتهى علي من معركة الجمل توجه إلى الكوفة فدخلها في الثاني عشر من رجب 36هـ ثم أرسل جرير بن عبد الله إلى معاوية يدعوه للمبايعة والطاعة لكن معاوية رفض المبايعة إلا بعد الاقتصاص من قتلة عثمان [126]. عاد الرسول إلى علي برفض معاوية، فتوجه علي بجيشه إلى الشام وعسكر الجيشان حين التقيا بموقع يسمى صفين، ثم بدأت مفاوضات بين الطرفين عبر الرسائل، واستمرت لمدة مائة يوم لكنها لم تأتي بنتيجة، فبدأت مناوشات بين الجيشين أسفرت عن قتال استمر لمدة أسبوع فيما يعرف بمعركة صفين (36 - 37هـ / 657م). بدا جيش علي على مشارف الانتصار وجيش معاوية على وشك الهزيمة، فاقترح عمرو بن العاص -وكان في جيش معاوية- عمل حيلة وهي أن يقوم الجنود برفع المصاحف على أسنة الرماح، مطالبين بالتحكيم وفقا للشريعة الإسلامية. يقول ابن خلدون أن عليا حذر المسلمين من الخديعة إلا أن جماعة ممن صاروا فيما بعد من الخوارج أصروا على القبول بالتحكيم وهددوه بالقتل ووافق بعد إلحاح منهم، وعندما أرادوا حكما اختاروا أبي موسى الأشعري لكن علي رفضه لعدم ثقته به وتخليه عنه فيما سبق ورشح الأشتر النخعي إلا أنهم رفضوه واستقر الأمر على الأشعري، رفض جنود علي من الخوارج التحكيم معتبرين أن معاوية كافر بخروجه عن طاعة اخليفة الشرعي وبهذا يجب قتله، واعتبروا التحكيم خروج عن حكم الله والاحتكام بحكم البشر -رغم أن تأكيد بعض المؤرخين على أنهم من رشحوه- فذهبوا لعلي يستتيبوه ويحثوه على قتال معاوية ونقض اتفاق التحكيم لكنه رفض، مما أدى إلى انسحاب الخوارج من جيش علي. وأورد ابن كثير في البداية والنهاية (7/301) رواية تقول أن علي وافق على التحكيم وعارضه بعض الناس. في هذة الأثناء اختار معاوية عمرو بن العاص حكما من طرفه، واجتمع الحكمان لإيجاد حل للنزاع، فدار بينهما جدال طويل، واتفقا في النهاية على خلع معاوية وعلي وترك الأمر للمسلمين لاختيار الخليفة. خرج الحكمان للناس لإعلان النتيجة التي توصلا إليها، فأعلن أبي موسى الأشعري خلع علي ومعاوية، لكن عمرو بن العاص أعلن خلع علي وتثبيت معاوية.[117][127] بعد حادثة التحكيم عاد القتال من جديد واستطاع معاوية أن يحقق بعض الانتصارات وضم عمرو بن العاص مصر بالإضافة إلى الشام وقتل واليها محمد بن أبي بكر.
وأخيرا قاتل علي الخوارج وهزمهم في معركة النهروان (39هـ / 659م)،، حيث انسحبوا من جيشه ثم قاموا يقطعون الطرق ويسألون الناس حول ارائهم في الخلفاء الأربعة فيقتلون من يخالفهم في الرأي بشكل بشع.[128][129]
ورغم أن علي لم يقم بأي فتوحات طوال فترة حكمه إلا أنها اتصفت بالكثير من المنجزات المدنية والحضارية منها تنظيم الشرطة وإنشاء مراكز متخصصة لخدمة العامة كدار المظالم ومربد الضوال وبناء السجون [130][131]، وكان يدير حكمه انطلاقا من دار الإمارة، كما ازدهرت الكوفة في عهده وبنيت بها مدارس الفقه والنحو وقد أمر الإمام علي بن أبي طالب أبا الأسود الدؤلي بتشكيل حروف القرآن لأول مرة [132][133]، ويعتقد بعض الباحثين أنه أول من سك الدرهم الإسلامي الخالص [134] مخالفين بهذا المصادر التاريخية الأخرى التي تقول أن عبد الملك بن مروان هو أول من ضرب الدراهم الإسلامية الخالصة.[135] في عهده أيضا نشط عبد الله بن سبأ وأتباعه الذين عرفوا بالسبئية والتي يعتقد البعض أنهم أصل حركة التشيع، والبعض الآخر يقول أنهم أول من قال بتأليه أئمة الشيعة، وآخرون يشككون في وجود السبئية من الأساس. يروى أن علي بن أبي جمعهم وأمر بحفر الأخاديد وأضرم فيها النيران وأعدمهم بالحرق ولم يبقى منهم إلا القليل.[136]
يعتبر العديد من الكتاب الباحثين أن علي لم يكن رجل سياسي ناجح أو لم يتمتع بالمرونة السياسية المناسبة [51]. قال عنه ويلفرد مادلونغ أنه كان متمسك بتعاليم دينه بشدة وغير مستعد للتنازل عن مبادئه من أجل المنفعة السياسية.
إغتياله :-
كان علي يؤم المسلمين بصلاة الفجر في مسجد الكوفة، وأثناء الصلاة ضربه عبد الرحمن بن ملجم بسيف مسموم على رأسه، وقال جملته الشهيرة: "فزت ورب الكعبة" [138][139][140]، وتقول بعض الروايات أن علي بن أبي طالب كان في الطريق إلى المسجد حين قتله بن ملجم [141][142]؛ ثم حمل على الأكتاف إلى بيته وقال: «أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفس بالنفس، إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي» ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه. وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم علي بأنه ميت قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين. ظل السم يسري بجسده إلى أن توفي بعدها بثلاثة أيام، تحديدا ليلة 21 رمضان سنة 40 هـ عن عمر يناهز 64 حسب بعض الأقوال [141]. وبعد مماته تولى عبد الله بن جعفر والحسن والحسين غسل علي بن أبي طالب وتجهيزه ودفنه، ثم اقتصوا من بن ملجم بقتله [143]. ولقب الشيعة علي بن أبي طالب بعدها بشهيد المحراب.[138]
وعبدالرحمن بن ملجم أحد الخوارج كان قد نقع سيفه بسم زعاف لتلك المهمة. ويُروى أن ابن ملجم كان اتفق مع اثنين من الخوارج على قتل كل من معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب يوم 17 رمضان، فنجح بن ملجم في قتل علي وفشل الآخران.[141][142]
تذكر العديد من كتب الحديث النبوي وكتب التاريخ أن محمد قد تنبأ بمقتل علي، وتعددت رواياتهم حول ذلك ومنها:«يا علي أبكي لما يُسْتَحَلُّ منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تريد أن تُصلِّي وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة صالح، يضربك ضربة على رأسك فيخضب بها لحيتك»[144][145].
المسجد الأزرق بمزار شريف، أفغانستان
وفقا للشيخ المفيد فإن علي بن أبي طالب طلب من ابنه الحسن أن يدفنه سرا وألا يعرف أحد مكان دفنه، لكي لا يتعرض قبره للتدنيس من قبل أعدائه. وظل مدفن علي مجهولا إلى أن أفصح عن مكانه جعفر الصادق في وقت لاحق خلال الخلافة العباسية. وبحسب الرواية الأكثر قبولا عند الشيعة فإن علي بن أبي طالب دفن في النجف حيث بني مشهد ومسجد الإمام علي الموجود حتى الآن [146]. ويعتقد بعض من المسلمين خاصة في أفغانستان أن جسد علي بن أبي طالب مدفون بالمسجد الأزرق بمدينة مزار شريف الأفغانية؛ مستندين إلى روايات تقول أن أبا مسلم الخراساني قام بنقل جثمان علي سرا بمساعدة بعض فرسانه إلى تل حمران بقرية بلخ شمال أفغانستان، حتى جاء السلطان حسين بيقرة فبني المرقد الحالي في ذلك المكان عام 1480 حسب الروايات الأفغانية.[147][148
ملاحظة الموضوع مختصر للحصول على الموضوع كاملا تفضل بزيارة هذا الرابط:
علي بن ابي طالب
رد: علي بن ابي طالب
موضوع في غاية الروعة ربنا يجعلك ديما في زيادة
بارك الله فيك وجزاك الله كل خير ربنا يتقبل منا ومنك صالح الاعمال
بارك الله فيك وجزاك الله كل خير ربنا يتقبل منا ومنك صالح الاعمال
الاخلاص لله- Admin
-
عدد المساهمات : 538
نقاط : 1930
السٌّمعَة : 45
تاريخ التسجيل : 07/12/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى